مضى حوالي شهران على بدء عملية إزالة داعش من الوجود وخمسة عشر يوماً على معركة كوباني ولم يتبين لنا شيء ذو قيمة. مازال داعش يهاجم كوباني بضراوة الضباع ولم نسمع أن التنظيم تخلى عن أيّ من مواقعه الاستراتيجية في كل الأنحاء التي يسيطر عليها. ما الذي يحدث على الأرض يا ترى؟ من الصعب الجواب على سؤال مثل هذا. فالتسريبات مازالت محدودة والتصريحات متضاربة. لكي نسير في طريق الفهم علينا أن نجلي الحقيقة الماثلة أمامنا. أي جيش يدخل معركة حربية بلا غطاء جوي مهزوم لا محالة إلا إذا كان عدوه لا يملك هذا الغطاء. قوات التحالف تملك أقوى وأفضل سلاح طيران على وجه الأرض. داعش تملك صفر طيران. مهما كان الادعاء والتهويل أن داعش استولت على تجهيزات عسكرية من مستودعات سورية أو عراقية تبقى الأسلحة في حاجة إلى قطع غيار وتدريب على استخدامها ووسائل لنقلها ولحمايتها من ضربات العدو. بالإضافة إلى ذلك فالسلاح الذي يصلح لمعركة لا يصلح لمعركة أخرى. الميزة الوحيدة التي يملكها داعش سرعة الحركة. التغلغل بين المدنيين واستخدامهم دروعاً ولا شك أن أقوى أسلحتهم يتمثل في الأعمال الغادرة كتفجير هنا وتفجير هناك. إذا كانت داعش بهذا الهوان والتحالف بهذا الجبروت لماذا تأخر حسم معركة كوباني وما الذي تعنيه تصريحات بعض الخبراء الغربيين التي تردد يومياً أن القضاء على داعش يستحيل إذا لم تجابه بقوة أرضية. ما الذي يعنيه إصرار الرئيس الأمريكي بحزم على رفض التدخل البري؟ ما الذي يجري إذاً؟ لا أرى أن المسألة تنطوي على أي تعقيدات ولا يوجد فيها أجندة سرية كما يريد البعض. الحرب تقوم على آلتين حربيتين الأولى يقودها الجندي على الأرض والأخرى يقودها الإعلامي خلف المذياع. ليس كل ما تسمعه وما تقرأه من تحليلات يؤخذ حرفياً. في ظني ليس من مصلحة التحالف حسم معركة كوباني بسرعة. معركة كوباني معركة استدراجية تفرض على داعش أن يكشف نفسه. داعش ارتكب غلطة استراتيجية. جعل من كوباني منازلته الكبرى للرد على التحالف. إذا انتصر فيها سوف يضعف من معنويات أعدائه ويقوي مكانته بين أنصاره المتخفين في كل مكان. التحالف لم يسمح لداعش باقتحام كوباني وفي نفس الوقت لم يدمر هجومه بالكامل. كل من يعتقد أن التحالف غير قادر على تدمير هجوم داعش يفتقر إلى حس الواقع. ليس من مصلحة التحالف إيقاف هجوم داعش نهائياً على كوباني. استراتيجية التحالف ألا تفقد قيادات داعش الأمل في نصر بهذا الحجم. إذا قارنا بين خسائر الطرفين في المعركة سنرى هذا الواقع: التحالف لا يفقد في معركة كوباني سوى ذخيرة بينما يفقد داعش مقوماته وأسلحته وعدداً كبيراً من رجاله يومياً. الشيء الآخر أن سكان كوباني ليسوا مواطني أي دولة في التحالف وبالتالي لا يشكلون ضغطاً شعبياً على الحكومات المشاركة. لا يوجد ما يخسره التحالف إذا أطال المعركة وجعلها كراً وفراً. كل من عاش حرب تحرير الكويت يتذكر شيئاً كهذا حدث. كان صدام حسين يتوعد التحالف بالحرب البرية. والإعلام الغربي يسهم في تضخيم هذا الوعيد بتهويل جيش صدام الذي لا يقهر. سقط صدام في فخ الأمل الزائف. في ذلك الوقت كان طيران التحالف يدمر مقدرات العراق ونحن نحلل ونكسر الحسابات الواهمة التي يزودنا بها المحللون الغربيون. عندما أعلنت الحرب البرية كان جيش صدام قد أصبح أكواماً من الحديد الخردة وتحول الجندي العراقي إلى متسول أمام بوابات الخروج من الكويت تطارده طائرات الأباتشي وتسحقه. قتل أكثر من ست مئة ألف جندي عراقي في رحلة الهروب المذلة من الكويت. من تابع حرب الخليج تلك يتذكر مقولة دك تشيني أثناء الحملة الجوية: نحن ندمر جيش صدام بشكل ممنهج. بعد ذلك لم يكن أحد من القادة الأمريكان يتكلم عن خواء جيش صدام أو يستضعفه. يشيرون إلى صعوبات غير محددة المعالم. ما يجري على بوابة كوباني هو نفس ما جرى في حرب تحرير الكويت: تكسير داعش بعد أن أوقعوه في فخ النصر المستحيل.