عندما يجد العالم نفسه في مواجهة مسلحة مع التنظيمات الإرهابية، فهذا يعني أنه أخفق في استخدام الأدوات اللازمة للتعامل مع هذا الخطر قبل أن يصبح مرضا عضالا في مراحل متقدمة. وهنا نتساءل ما هي الأدوات التي كانت وما زالت بأيدي العالم ولم تُستثمر كما ينبغي لتفادي الخسائر البشرية والمادية وفقدان الأمن والاستقرار في أكثر بقاع الأرض؟ يمر الإرهاب بثلاث مراحل وهي مرحلة ما قبل الأزمة، ومرحلة الانفجار ومرحلة ما بعد الأزمة، ولكل مرحلة أدواتها التي تناسبها حسب طبيعة المرحلة. فمرحلة ما قبل الأزمة، وهي المرحلة الأهم التي أخفق فيها العالم كما أشرت سابقاً، ولهذه المرحلة أدواتها وأساليبها في مكافحة الإرهاب وهو في المهد. يسعى قادة التنظيمات المتطرفة والإرهابية خلال هذه المرحلة إلى خلق رؤية قابلة للتصديق والترويج والإقناع، وأهداف قابلة للتحقيق، وأسباب مقنعة (وإن كانت خاطئة) للتضحية والموت من أجلها. ولمواجهة ذلك يتم التركيز على الشق الأول من القوة الذكية، والمتمثل في القوة الناعمة (soft power)، وهي استخدام الدهاء السياسي، والتحرك الدبلوماسي النشط، والمال، والإعلام الذكي (ليس التقليدي). على الصعيد السياسي والفكري، يتم دحض الأفكار الخاطئة النابعة من التفسير المغلوط للقرآن الكريم والمنهج النبوي، وإيضاح سماحة الدين الإسلامي ووسطيته واعتداله، وهذه المهمة مناطة بالعلماء الراسخين في العلم، ولا ينبغي لأشباه طلبة العلم أن يتصدروا للقضايا التي تمس الأمن الوطني، كما يجب فتح باب الحوار والوصول إلى عقول الشعوب والوقوف على احتياجاتها، ومعرفة طموحاتها وتطلعاتها، وتطبيق العدل والمساواة والمساءلة والشفافية، وأن تكون قوانين ومبادئ الدول متناغمة وما تدعو إليه. وفيما يخص العالم الغربي (والذي نطمح لتكون علاقاتنا معه متوازنة ومرتكزة على المصالح المشتركة والاحترام المتبادل والحوار الشفاف) أصبح لزاماً عليه وقف انحيازه الظالم والجائر للكيان الصهيوني في احتلاله، ورفضه لمبادرة السلام العربية، ومعارضته لإقامة الدولة الفلسطينية. إن العدوان الصهيوني المتكرر على الشعب الفلسطيني يولد أجيالا متعاقبة تحمل في جنباتها القهر، والحقد والكراهية للعالم الغربي، والإحباط من الأنظمة العربية. كما يجب على أي دولة كانت ألا تستخدم المنظمات الإرهابية لتحقيق أهداف آنية فسرعان ما تكتوي بنارها، وتكتشف أنها افتقدت الرؤية الحكيمة في قرارها بالتعامل معها، بل وجانبت الصواب، ولم تقيمّ المخاطر كما ينبغي. وعلى الصعيد الاقتصادي، يجب محاربة الفقر، ومعالجة البطالة، فقد أشارت دراسة عام (2004م)، إلى أن (73%) من المنتمين إلى التنظيمات المتطرفة (ليس في العالم العربي والإسلامي فقط بل في معظم دول العالم) عاطلون عن العمل، ولذلك فإن الحاجة الاقتصادية لا يمكن لأي بديل أن يشبعها فهي احتياج يومي لا يمكن كبته. وفي الجانب التعليمي، نحتاج إلى مراجعة صادقة وغير مجحفة للمناهج الدراسية، وليس فقط في العالم الإسلامي بل وفي العالم الغربي، فكلنا يعلم أن عناصر تنظيم داعش (على سبيل المثال) ينتمون إلى أكثر من (80) دولة. أضيف إلى ذلك أهمية ملاءمة مخرجات التعليم لسوق العمل. على سبيل المثال، في المملكة العربية السعودية، يجب أن يكون هناك تنسيق مستمر واجتماعات دورية تجمع ما بين وزير التعليم العالي ومديري الجامعات من جانب، ومن الجانب الآخر وزير العمل ورجال الأعمال للمشاركة في معالجة هذه الجزئية الحساسة، ولا يمكن قبول عمل كل وزارة بمعزل عن الأخرى. أما الإعلام فهو الوسيلة التي من خلالها يمكن للقوة الناعمة أن تكون مؤثرة، ولذلك فهو بأمس الحاجة إلى تصحيح مساره، ومراجعة منهجيته، ولا يجب أن يطول ذلك، فقد أصبحت التنظيمات المتطرفة أكثر قُدرة (بالرغم من إمكاناتها المحدودة) من بعض الدول في الاستفادة من وسائل التواصل الحديثة، في إيصال رسائلها، وتجنيد عناصرها، وإدارة مواردها المالية. ومن الناحية الأمنية، أصبح جلياً أهمية وجود أجهزة متخصصة لمحاربة الإرهاب، وأيضاً مركز دولي وهو ما سبق فيه خادم الحرمين الشريفين قادة العالم، ودعا إلى إنشائه عام (2005م). تطرقنا في هذا المقال للخطوات الوقائية (باختصار) في (مرحلة ما قبل الأزمة)، وبرز الدور الرئيسي للقوة الناعمة، أما في المرحلة الثانية (مرحلة الانفجار)، والمرحلة الثالثة(مرحلة ما بعد الأزمة) فلهما أدواتهما وهو ما سنتطرق إليه في مقالنا القادم بإذن الله، وصولاً إلى تجربة المملكة العربية السعودية الرائدة في مجال مكافحة الإرهاب.