يقول المقربون من الفرنسي جان تيرول الحائز على جائزة نوبل للاقتصاد هذا العام إنه عليه أن يتلقى فعلا بسرعة دورة تدريبية تسمح له بألا يكون خجولا وأن يدلي بدوله في النقاشات العامة حول توجهات الحكومة الفرنسية الحالية في المجال الاقتصادي وحول الإصلاحات الاقتصادية التي يسعى هولاند إلى القيام بها اليوم والتي ترفضها أوساط اليسار والنقابات العمالية وتعتبرها مناقضة تماما للوعود التي التزم بها الرئيس الفرنسي خلال حملته الانتخابية الرئاسية. وصحيح أن زملاء تيرول الفائز الفرنسي الثالث بجائزة نوبل للاقتصاد بعد جيرار ديبرو عام 1983 وموريس أليه عام 1988، يقولون عنه إنه تعود مذ كان تلميذا وطالبا على إخفاء خجله الشديد من خلال التفاني في العمل. واستطاع الرجل التخلص منه داخل أروقة الجامعات وفي المختبرات والمؤتمرات العلمية. وهو اليوم مضطر إلى تقمص دور جديد لم يكن مهيأ له من قبل وهو محاولة الرد –خارج هذه الأطر- على كل الأسئلة التي توجه إليه من قبل عامة الناس والصحافيين بشأن أي موضوع من المواضيع التي لديها علاقة بالاقتصاد . وإذا كان تيرول قد قال يوم حصوله على جائزة نوبل إنه غير قادر على الإدلاء بدلوه في هذا الشأن، فإن مساره الأكاديمي من جهة والمواضيع التي اهتم بها كباحث واقتصادي من جهة أخرى أمران يسمحان له مبدئيا بشكل متدرج بالرد على أسئلة كثير من الناس حول علاقتهم بالاقتصاد في حياتهم اليومية ومخاوفهم وهمومهم. فالجزء الأساسي الأول من ثقافة جان تيرول ومعارفه الاقتصادية اكتسبه الرجل من خلال نماذج رياضية نظرية صاغها وهو طالب في مدرسة البولتكنيك وجامعة دوفين الفرنسيتين وبوصفه طالبا ومدرسا في معهد ماساشوسيتس الأمريكي للتكنولوجيا. ولكن تيرول سارع في ما بعد إلى إيجاد تطبيقات إلى معارفه النظرية من خلال الاهتمام بقضايا لديها صلة بالاقتصاد الصناعي في مرحلته الجديدة أي مرحلة طبعتها عولمة السوق وتكنولوجيا الاتصال الحديثة وإدخال عالم المؤسسات الاقتصادية إلى البورصة. ومن يطلع على مؤلفات جان تيرول ومقالاته المتخصصة التي يقارب عددها مائتي مقالة، يعثر فيها على محاولات أجوبة مقنعة أو على الأقل رصينة لأسئلة أصبحت تطرح اليوم بإلحاح على ألسنة أصحاب القرارات السياسية وأصحاب المؤسسات الاقتصادية العامة والخاصة . ومن بينها على سبيل المثال الأسئلة التالية : ماهي الهفوات التي لا ينبغي ارتكابها من قبل الدولة عندما تقرر نقل عدد من الشركات العامة إلى القطاع الخاص بحكم تنامي التوجه الرامي إلى انحسار دور الدولة في إدارة عجلة الاقتصاد ؟ ماهي المؤسسات الحيوية التي يفضل أن تظل تحت رقابة الدولة حفاظا على المصلحة العامة حتى وإن كان القطاع الخاص هو الذي يتحكم فيها ؟ كيف يمكن جعل الحوار بين نقابات أرباب العمل من جهة ونقابات العمال والموظفين من جهة أخرى عاملا هاما من عوامل التنافسية في السوق ؟ ما دور العوامل السيكولوجية في رفع الإنتاج والإنتاجية ؟ كيف يمكن الحد من فقاعات أسواق البورصة والحد من أضرارها في حال حصولها ؟ ويخلص المطلع على أعمال تيرول البحثية التي يقول عنها دوما إنها أعمال جماعية نظرا لأن البحث الفردي غير ممكن اليوم، إلى أن محاولة التصدي لاقتصاد السوق استثمار فاشل من الأساس ولكن الاقتصاد المتحرر من كل القيود غول قادر على التهام الإنسان بسرعة البرق . ومن ثم فإن تنظيم السوق وضبطها أمر مشروع ولكن عبر قواعد محددة ليس من السهل إيجادها بين ليلة وأخرى. وكان جان تيرول يقول إن أصحاب القرارات السياسية والاقتصادية بدأوا يستشيرونه أكثر فاكثر عندما قطع شوطا كبيرا في طرح هذه الأسئلة ولكن بالقدر غير الكافي الذي يسمح بطرحها في مجالس الوزراء ولدى مجالس إدارة المؤسسات الاقتصادية ولدى النخبة المثقفة التي تعنى بالدورة الاقتصادية. وهذا ما يفسر إلى حد كبير عودته من الولاياتالمتحدةالأمريكية إلى فرنسا وتحمسه لمشروع "مدرسة الاقتصاد بتولوز" . وهذه المدرسة التي يديرها اليوم جان تيرول هي من أهم المدارس العليا الاقتصادية في العالم والتي تطرح فيها مثل هذه الأسئلة ويأتيها الطلاب من عدة بلدان . ولاشك أن فوز مديرها بجائزة نوبل للاقتصاد يعد أفضل وسيلة يكمن للمدرسة استخدامها للترويج لصورتها ولأطروحات تيرول في العالم كله.