مازلت عند رأيي بأن تعلم أي لغة بما في ذلك لغتنا العربية لا يتم من خلال تعلم قواعد اللغة، بل من خلال (المحاكاة) ونطق الكلمات والجمل بطريقة سليمة وصحيحة.. وأقول "مازلت" لأنني سبق وكتبت مقالاً يشرح موقفي من هذا الموضوع (بعنوان: اللغة محاكاة وتقليد وليست دراسة وتقعيداً). انظر لأي طفل صغير واسأل نفسك هل يحتاج لتعلم قواعد اللغة العربية ليتحدث بلغة والديه قبل سن المدرسة.. ثم انظر لحاله (وحالنا) بعد دخولنا المدرسة؛ هل نجحنا في الحديث باللغة العربية الفصحى رغم السنوات الطويلة من تعلم اللغة العربية في مدارسنا! لهذا السبب يجب قبل أن نفكر في تطوير مناهج اللغة العربية والأجنبية أيضاً أن نطور قدرة المعلم على الحديث مع طلابه بلغة سليمة وجميلة.. فمن مفارقات التعلم قدرتك على التحدث بلغة عربية سليمة من خلال (محاكاة) مذيع أخبار جيد أكثر من معلم لغة عربية معقد.. من مفارقات تخلفنا اللغوي قدرة مذيعة مسيحية أو مذيع كردي أو آشوري على التحدث بلغة عربية فصحي وسليمة أفضل من رجل نشأ في قلب الجزيرة العربية (ويبدو أنني أخطأت مرة أخرى بوضع حرف الياء في كلمة فصحى)! لهذا السبب أنصح كل من يرغب بتعلم لغة أجنبية جديدة بمحاكاة أهلها في التلفزيون ونشرات الأخبار أكثر من المعهد أو المدرسة التي ينتسب إليها وفي نفس الوقت لا بأس من تعلم القواعد لفهم هيكل اللغة والحصول على الشهادة ذاتها!! يجب أن تتعلم كيف (تسمع) لتتعلم (كيف تتحدث) ويجب أن تتعلم كيف (تقرأ) لتتعلم (كيف تكتب) وأفضل طريقة لفعل ذلك عن طريق المحاكاة والتقليد قبل أي شيء آخر... فحين "تقرأ" تتعلم تلقائياً طرق الإملاء وقواعد اللغة والتراكيب السليمة للجمل فكلما قرأت أكثر كلما ارتفع مستواك أكثر في الكتابة دون أن تدرك كيفية حصول ذلك في حين يحاكي عقلك الباطن ما قرأته أنت سابقا! أذكر أنني كتبت مقالاً تحدثت فيه عن وجود مستوى أعلى من آلية "القراءة" و"الكتابة" حيث يصل بعض الناس إلى مرحلة القدرة على التعبير والكتابة الراقية وهذه المرحلة النخبوية مزيج من الموهبة والقراءة المكثفة حيث تمتزج القدرة على التعبير مع القراءة التحليلية ومحاكاة أعلام الرواية والأدب ثم محاولة التفوق عليهم! الطريف في الموضوع أنني صادفت طلاباً تعلموا لغات أجنبية بطريقة مقلوبة ومعاكسة تماماً. رأيت طلاباً عرباً يتحدثون بطلاقة (بفضل الاختلاط وكثرة الهياط) ولكنهم أميون بمعنى الكلمة حين يتعلق الأمر بالقراءة والكتابة وتهجئة الكلمات بطريقة صحيحة. وفي المقابل رأيت طلاباً آسيويين (يابانيين على وجة الخصوص) يجيدون القراءة والكتابة (من فرط المذاكرة وقراءة الكتب) ولكنهم لا يستطيعون الحديث أو النطق بشكل صحيح لاختلاف مخارج الحروف لديهم من جهة وخجلهم المفرط من جهة أخرى! على أي حال إن أردنا اختصار المقال عشر كلمات فقط نقول: السر في تعلم اللغات يكمن في "المحاكاة" قبل أي شيء آخر.