السعر العادل لتوزان موازنة روسيا 100 دولار للبرميل، وايران 100 دولار للبرميل، والسعودية نحو 90 دولارا للبرميل، وحتى يكون النفط الصخري مجدياً فإنه يتطلب نحو 80 دولارا للبرميل، ورغم ذلك تركت دول أوبك أسعار النفط تتهاوى بنحو 16% لخام برنت خلال الربع الثالث، لتقترب من 94 دولاراً للبرميل. وزادت من معروضها النفطي منذ يونيو لتتجاوز 31 مليون برميل في اليوم بنهاية سبتمبر، رغم أنها تدرك أن السوق بحاجة الى نحو 29.6 مليون برميل فقط من نفط أوبك التي تغذي ثلث الانتاج العالمي. ورغم كل تلك الحقائق فإن لا أحد يبالي بهذا الانخفاض السريع لأسعار النفط، فأوبك لا تتحدث حتى الآن عن خفض محتمل في اجتماعها القادم في نوفمبر رغم توقعاتها بانخفاض الطلب العام القادم، وأمريكا تصدر النفط الى كندا لأول مرة، وتعمل على اصدار تعديل قانوني للسماح لها بالتصدير الى بقية دول العالم، وخصوصا أوروبا. ويذكرني هذا الصمت المطبق في سوق النفط ما يحدث لتساقط دول ومدن تلو الأخرى بدءاً من ليبيا، وسورية، وجزيرة القرم، والموصل، وصنعاء، وبصمت ولا مبالاة من المجتمع الدولي، مايفقد الأسواق قدرتها على الصمود. فتجد التذبابات العالية في الاسواق العالمية وقد أصبحت ظاهرة، فهبوط الداو أو غيره من المؤشرات بأكثر من 100 نقطة لم يعد مستغرباً، واصبحت بيئة الاستثمار أكثر مخاطرة، ليس فقط في أسواق الأوراق المالية، بل وحتى في القطاعات الاقتصادية الأخرى. كان مجرد سقوط صاروخ عابر في الصحراء العربية أو تفجير في بغداد أو صحراء مصر كفيل بارتفاع أسعار النفط بقوة، لكن طيران التحالف تحلق في أكثر من 4000 الاف طلعة، وتقترب قوات الظلام داعش من الحدود التركية ولا تحرك لها الأسواق ساكنا، هذه اللامبالاة جاءات من اللا مبالاة من ساسة الدول الكبرى وخصوصا أمريكا والتي انكفأت على نفسها وأخذت تقدم تنازلات مقابل مبادرات من دول أقل منها قوة اقتصاديا وعسكريا، ما جعل بقية دول العالم تنكفء هي الأخرى، ما عدا مايتطلب منها في المؤتمرات الدولية المعتادة. ويبقى الأمل في عودة نمو الاقتصاد الأمريكي بقوة، وتعافي دول اوروبا من أزمة الديون، والانفاق الحكومي المتوقع من دول الخليج، مايجعل ارتداد الأسعار محتملا في أقرب فرصة، خصوصا اذا اتخذت أوبك تدابير أكثر جدية في خفض الانتاج، وعملت على مراقبة أسواق تهريب النفط من الدول غير المستقرة سياسيا مثل ليبيا والعراق. فليس من صالح الدول المنتجة أن تنخفض أسعار النفط بأقل من 100 دولار للبرميل. ولا أعتقد أن سلاح النفط سيكون مفيدا لضرب الاقتصاد الروسي أو الايراني، خصوصا وأن اقتصاديهما أكثر تنوعاً من اي اقتصاد أخر لكثير من الدول المنتجة للنفط. ولا أرى أن أمريكا تريد أن تطلق الرصاصة على قدميها بعد الاقتراب من تحقيق حلمها في خفض اعتمادها على نفط الخليج، بخفض أسعار النفط لمستويات دنيا قد تؤدي الى إغلاق منشآت النفط الصخري. ولا ترغب أمريكا أن ترى دولارا قويا بعد تحسن الميزان التجاري لديها، ووصلت الى معدلات قوية من انتاج كفايتها من النفط والغاز في ظل دولار ضعيف وسعر فائدة منحفض. وهذا يجعلنا نتوقع أن تستمر أسعار الفائدة في مستويات منخفضة، وأن تستمر السيولة عالية بشكل كبير لسنوات قادمة. لكن الأهم أن تعمل دول العالم على معالجة الدين العام، وأن تخفض النفقات الحكومية، وأن تشجع بطريقة أفضل الاستثمارت البينية بين القطاع الخاص لدول العالم. فإذا لم يكن القطاع الخاص هو الذي يقود النمو، فإننا قد نستمرئ الازمات الاقتصادية بشكل قد يصبح ظهورها بشكل سنوي أمرا معتادا.