تعدّ أيام العيد عامل تجمع مهم للعائلة، بما تحمله من طقوس خاصة وذكريات يتسابق الجميع للاحتفاء بها، والاستمتاع بأجمل لحظاتها، إلاّ أنّها تمرّ على البعض وقد قضاها بمفرده، بعيداً عن عائلته، إما بإرادته، أو بسبب ظروف خارجة عن الإرادة، ومن المستغرب أن تكتشف حجم التأثير النفسي بالفقد لدى الكثير، ممن اضطرتهم الظروف إلى الابتعاد عن مشاركة أهلهم مثل هذه المناسبات العائلية الحميمة، لدرجة البكاء أو الدخول في حالة من الاكتئاب خاصة النساء، بينما يحاول آخرون التعويض عن ذلك بخلق أجوائهم الخاصة التي اعتادوا عليها، خاصةً عيد الأضحى الذي تزداد فيه حميمية اللقاءات، فيتذكرها الجميع أينما حلت بهم مناسبات الأعياد. وفي العيد أيضاً لا تكاد تمر بجانب أسوار البيوت في معظم الأحياء إلاّ وتسمع صدى الأحاديث، وصوت الضحكات، وصخب الحدث الأهم؛ ذبح الأضحية، وتجمهر الأطفال، وتناقل الصواني جيئة وذهاباً بين المطبخ والفناء، وبيوت أخرى لا تكاد تسمع فيها همساً، ولا يبدو أنّ هناك من يقطنها لشدة السكون الذي يغلفها؛ لتكتشف أنّ أصحابها يقضون العيد بمفردهم، من دون مشاركة أهليهم الذين تصادف أنّهم قرروا السفر للخارج، والاستمتاع بالإجازة، حيث لم يتسنى لهم ذلك خلال الصيف، كما يمرّ العيد على البعض وقد فقد شخصاً عزيزاً عليه، فيصبح بلا طعم ولا نكهة، بل إنّ أجواءه قد تثير مشاعر الحزن والفقد، التي لا يستشعرها إلاّ أصحابها، وبالطبع يقضي هؤلاء العيد داخل البيوت، وسط أجواء يشتد سعيرها كلما كان الشخص له بالغ الأثر في مثل هذه المناسبات. وفاة الأم ذكرت "سلمى السعد" إنها اعتادت قضاء عيد الأضحى بمعية الأهل، وتحرص على التنسيق للتفرغ تماماً من التزاماتها العائلية الخاصة لتحظى بأجمل لحظات حياتها في عيد الأضحى مع والديها وأشقائها، للاحتفاء بطقوس الذبح ومشاركة العائلة مأدبة الإفطار، وفي مقدمتها طبق "الكبدة" التقليدي، وهو ما لا يتكرر في أي يوم آخر، ولا مع أي كائن كان سوى الأسرة، موضحةً أنّه بعد وفاة والدتها وانشغال أفراد الأسرة كل بحياته لم يعد للعيد أي قيمة، أو نكهة، أو طعم، حتى أصبح يمر عليها سنة تلو الأخرى لم تسجل بها أي ذكريات له، على الرغم من حرصها على الأضحية في سبيل حصول الأجر لها ولوالديها، ليمضي نهار العيد كأي يوم آخر، بلا "شواء" ولا "قلقلة"، مكتفية بقضاء ساعات من ليل ثاني أيام العيد بصحبة الإخوة والأخوات، حيث كل يحتفي بأول يوم مع أفراد أسرته الخاصة، مضيفةً: "هذا العام أصررت على زوجي الذي يتشارك وإخوته الاحتفال بذبح الأضحية وتناول الإفطار مع أسرته، أن يحضر نصيبي من كبدة الأضحية، لأحظى بمأدبة خاصة صباح العيد، وسط أجواء احتفالية، لا تقل عما كنت أعايشه مع أسرتي". فطور خاص وبيّنت "ميار يوسف" أنّها منذ سنوات وهي تقضي العيد منفردة بصحبة أسرتها الصغيرة؛ لعدم تواجد أهلها، ولأنّها تحب الاحتفاء بأجواء العيد تحاول أن تخلق أجواء خاصة بها وبأفراد أسرتها، وبمشاركة شقيقات زوجها، موضحةً أنّها تستيقظ صباحاً وتعد إفطاراً خاصاً، وأجواء احتفالية لتفرح صغيرها، ومع انتصاف النهار -ولأنّه لم يتسن لهم الذبح- هيأت الباحة الخارجية للشواء مكتفية بقطع من الدجاج نقعتها منذ الصباح في تتبيلة خاصة، مع تشكيلة من حلويات العيد، وبعض الأطباق الشعبية، لتختتم العائلة اليوم كأجمل ما يكون من أيام العيد التي ينتظرها الجميع بفارغ الصبر. جمع الشمل فيما أصرت "جميلة الروقي" على الاحتفاء بالعيد ككل عام رغم سفر والدتها وعدم وجود أضحية، فكان أن جهزت كل مستلزمات المناسبة ليلاً، واشترت "الكبدة" وباقي الأغراض، مبيّنةً أنّها لم تشأ أن يتم إلغاء هذا الاحتفاء السنوي لعدم وجود والدتها، والذي يعني في المقام الأول اجتماع الأسرة وتبادل التهاني بالعيد، والتشارك في فطور العيد، موضحةً أنّ والدتها لأول مرة تقضي العيد بعيداً عن البيت، ولأنّها حريصة على اجتماع العائلة وعدم وجود والدتها لا يعني عدم الاجتماع، حيث أصرت على أن يكون التجمع كما هو وبالكيفية نفسها، على الرغم من عدم وجود الأضحية، لافتةً إلى أنّ كل فرد بإمكانه أن يصنع أجواءه الاحتفالية وأن يتشارك مع الآخرين الاحتفاء بالمناسبة؛ حفاظاً على الترابط والتماسك الأسري، والذي بدونه لا يكون للمناسبات أي معنى، مؤكّدةً أنّ جميع أفراد الأسرة غالباً تجدهم مستعدين ومنتظرين لمن يدعوهم للاجتماع العائلي، ويجب على كل فرد لديه الإمكانات والقدرة على جمع شمل الأسرة أن يفعل ذلك؛ لأنّه أدعى للتماسك والترابط من جهة، مع ما فيه من الأجر والمثوبة من جهة أخرى. صدمة الفقد وكشفت "فوزية" أنّ شقيقتها فقدت زوجها قبل عدة أسابيع، وكان لفقده بالغ الأثر في نفسها؛ نظراً لحضوره وتأثيره البالغ في العائلة كأب وزوج ومسؤول في مختلف المناسبات، خاصةً مناسبات العيد، وشكّل فقده المفاجئ فراغاً كبيراً في العائلة، لم تستطيع شقيقتها معه أن تستعيد توازنها النفسي بعد، ولا زالت تقبع تحت صدمة الفقد، مضيفةً: "جميع أفراد الأسرة المقربين ألغوا كل خططهم الاحتفالية بالعيد، بهدف الالتفاف حول شقيقتي، والتواجد بقربها، ومحاولة إخراجها مما هي فيه". أجواء أسرية واعتبرت "أمل يوسف" أنّ المبتعثين من أشد الناس افتقاداً لأجواء العيد، وبالتالي الأكثر محاولة للتعويض عن ذلك بخلق أجواء احتفالية مشابهة، ومحاولة التجمع مع الأصدقاء والمقربين لمعايشة أجواء العيد كما ألفوها في بلدهم الأم، مبيّنةً أنّها قضت سنوات الغربة افتقدت فيها أجواء الاحتفال بالعيد، خاصةً عيد الأضحى، موضحةً أنّها هذا العام تخطط مع زوجها وأطفالها للاستمتاع به كما هو الحال عندما كانوا في المملكة، فقد أعدت العدة بشراء اللحم والكبدة الطازجة -رغم عدم توفرها بسهولة-، كما أعدت احتفالية شواء خارج المنزل، ومن ثم حفلة شاي بدعوة الأصدقاء والصديقات المقربين مع أطفالهم، وعمل برنامج ترفيهي للجميع، مضيفةً أنّ الجميع متحمس وقدم كل ما يستطيع لهذا الغرض، حيث كشف الأمر مدى محاولة المغتربين في الالتفاف والتقارب في مثل هذه المناسبات؛ لما فيها من حميمية وترابط، وكل يحاول أن يعوض عما يفتقده من أجواء أسرية.