"عيد الأضحى" فيه تخليد لذكرى قصة سيدنا إبراهيم -عليه السلام- عندما أراد التضحية بابنه إسماعيل تلبيةً لأمر ربه؛ لذلك يتقرّب العديد من المسلمين إلى الله بالتضحية بأحد الأنعام، وتوزيع لحم الأضحية على الأقارب، والفقراء، وأكل بعض منها، إلاّ أنّ هناك من فضّل توكيل الآخرين بشراء الأضحية وذبحها؛ بسبب ظروفهم، ومع الأيام بات الأمر شيئاً عادياً، وأصبح الكثيرون يفضلون التوكيل عن أداء هذا النسك بأنّفسهم، حيث يكلفون أحد الأصدقاء أو الأقارب أو المعارف الثقات بشراء وذبح الأضاحي نيابة عنهم، فيما هم يستمتعون بإجازة العيد، كما تولت بعض الجمعيات توزيع "كوبونات" للراغبين في إنابتها وتوكيلها لذبح وتوزيع الأضاحي محلياً ودولياً. الوكيل جاهز وقال "عماد العتيبي" أنّه اشترى العام الماضي ثلاثة أضاحي نيابة عن بعض أصدقائه، وذبحها، ووزع جزءاً منها على عدد من الأسر المحتاجة، فيما رأت "هتان محمد" أنّ الإسلام منح الآخرين حق التوكيل في الأضحية حال انشغالهم؛ لذلك اشترت عدداً من الأضاحي عن طريق إحدى الجمعيات الخيرية، وأعطت الجمعية التوكيل عليها لذبحها، وتوزيعها على الفقراء المستفيدين من الجمعية. وكشفت "عائشة صالح" أنّ زوجها وكل أخاه لاختيار الأضحية وذبحها، موضحةً أنّه يجوز التوكيل باتفاق الفقهاء؛ لأنّ الوكيل يقوم مقام الموكل في تحصيل مقصوده، وهذا عقد يملك المأمور مباشرته لنفسه فيصح منه مباشرته لغيره بأمره، كالبيع؛ لأنّ العاقد باشر العقد بأهليته وولايته الأصلية، سواءً باشر لنفسه أو لغيره، مبيّنةً أنّ الأصل فيه قوله تعالى {فَابْعَثُوا أَحَدَكُمْ بِوَرِقِكُمْ هَذِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ، كما أنّه روي عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنّه دفع إلى حكيم بن حزام أو إلى عروة البارقي -رضي الله عنهما- ديناراً ليشتري له به أضحية. وبيّنت "ريناد خالد" -موظفة بإحدى الجمعيات الخيرية- أنّ بعض الموسرين يوكلون لجان الزكاة للتضحية عنهم، ويدفعون أثمان الأضاحي لدى بعض الجمعيات الخيرية، التي تتولى شراءها، وذبحها وتوزيعها على الفقراء. وأوضحت "أم سعود" أنّ زوجها يرفض فكرة توكيل الآخرين لشراء أضحيته أو ذبحها؛ لذلك يحرص على نحرها اليوم الأول، ثم السفر برفقة أفراد عائلته لقضاء العيد خارج الرياض. شروط التوكيل وبيّن "د.عبدالله بن إبراهيم اللحيدان" -الأستاذ في المعهد العالي للدعوة والاحتساب بجامعة الإمام وعضو التوعية الإسلامية في الحج- أنّ المراد بالتوكيل في الأضحية إنابة المضحي شخصاً آخر في شراء وذبح الأضحية وتوزيعها على المحتاجين، ولابد أن يلتزم الموكِل وهو من له الأضحية بعدم الأخذ من ظفره، وشعره، وبشرته، ولا يلزم الوكيل شيء من ذلك، معتبراً أنّ هذا مما قد يغيب عن البعض، فالالتزام بما ورد النهي عنه في قوله -صلى الله عليه وسلم- "إذا دخلت العشر وأراد أحدكم أن يضحي فلا يمس من شعره وبشره شيئاً" خاص بمن يضحي فقط، أما الوكيل فليس عليه شيء من ذلك، والوكالة كما يعرفها الفقهاء هي "إنابة جائز التصرف فيما تدخل فيه النيابة"، لافتاً إلى أنّ الأصل في ذلك الإباحة. وقال: إنّ الأضحية مما تدخل فيه النيابة فيجوز التوكيل في الهدي والأضاحي، ودليل ذلك أنّ النبي -صلى الله عليه وسلم- في حجة الوداع نحر بيده ثلاثاً وستين بدنة، ثم وكل عنه علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- فنحر ما بقي، والحديث أخرجه مسلم من حديث جابر -رضي الله عنه-، ولأن الأضحية ليست من العبادات البدنية كالصلاة والصيام فيجوز التوكيل والتوكل فيها، موضحاً أنّه يشترط في الوكيل أن يكون جائز التصرف، والمراد بجائز التصرف: الحر، البالغ، العاقل، إلى جانب أنّه لا بد فيمن يباشر الذبح أن يكون مسلماً أو من أهل الكتاب، فالتوكيل لشراء الأضحية والتوكيل لذبحها جائز، والأفضل أن يباشر المرء ذلك بنفسه، سواءً في شراء الأضحية ليتخير أفضلها وأنفسها أو في الذبح؛ ليقتدي بالنبي -صلى الله عليه وسلم-، الذي كان يباشر ذبح أضحيته بنفسه. تساهل البعض وأضاف أنّ البعض تساهل في التوكيل، فقد يوكل البعض دون أن يتحقق من أمانة الموكل وحرصه، وقد يتساهل البعض أيضاً -وهذا أخطر- فيدفع ثمن الأضحية إلى جهات غير موثوقة، أو أشخاص لا يعلم عدالتهم، مشدداً على أنّ الأضحية عبادة جليلة ونسك ينبغي على العبد أن يؤديها على أكمل وجه وأن يتحرى في أداء هذا النسك، لافتاً إلى مسألة دفع المال إلى الجمعيات الخيرية الرسمية، مبيّناً أنّ الأصل جواز توكيلها كما أفتى بذلك العلماء، ولكنه يفوته كثير من السنن المتعلقة بالأضحية، كذكر اسم الله عليها عند الذبح، وتقسيمها أثلاثاً، والأكل منها، فقد قال الله تعالى: "فكلوا منها وأطعموا البائس الفقير"، كما أنّه يفوته أن يختار الأفضل، حيث أنّه إذا اشترى أضحيته بنفسه فإنّ عنايته أكثر من غيره، خصوصاً ممن سيشتري عشرات الأضاحي لمن وكلوه، مشدداً على ضرورة أن يعتني الموكل باختيار الوكيل، وألا يتوسع في التوكيل لغير حاجة أو ضرورة. خارج المملكة وأشار إلى أنّ التوسع قد أدى في التوكيل خارج المملكة أنّ قد ينسى الناس سنة الأضحية، فالمشروع في حق المسلم الذي يريد أن يضحي أن يباشر الذبح بنفسه -إن كان يحسن ذلك-، فان لم يقدر فيحضر ذبح أضحيته، منوهاً بأنّ بعض الناس لا يحسن الذبح، فيعذب الذبيحة، وقد أمر النبي -صلى الله عليه وسلم- بالإحسان، فقال: "إذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة، وليحد أحدكم شفرته، وليرح ذبيحته"، موضحاً أنّ الأضحية لها وقت محدد شرعاً: وهو من بعد صلاة العيد يوم النحر إلى غروب الشمس من يوم الثالث عشر من ذي الحجة، وهو آخر أيام التشريق، فأيام الذبح أربعة، ومن ذبح قبل صلاة العيد لم تصح أضحيته، لقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "من ذبح قبل الصلاة فإنما هو لحم قدمه لأهله"، وقد ذكر العلماء أنّه لا بأس أن يذبح بعد خروج الوقت؛ للعذر، وقياساً على من نام عن صلاة أو نسيها فإنّه يصليها إذا استيقظ أو ذكرها. عماد العتيبي