إن الأمن الفكري له تعريفات متباينة ولكننا نرى أنه تحصين العقل الجمعي من الفكر العدواني واللاوطني؛ ومن المهم هنا أن يعتمد التعريف على هذين العنصرين: الفكر العدواني؛ ليمثل حالة الجموح عن خط المجتمع، واللاوطني؛ ليمثل الفكر المهدد للوطن. والسبب في تمييزنا بين العنصرين أن أغلب المثقفين قد انحصر مفهومهم للأمن الفكري في قضية الإرهاب وقد نسوا أن التهديد الإرهابي لا ينفصل عن ضعف الوازع الوطني أو مناهضة مفهوم الدولة الحديثة، وأن هناك عوامل خارجية تهدد الدولة بالتفكك لتعود سيرتها الأولى قبل الوحدة الوطنية التي قادها الآباء الأوائل لتجميع مشتملات الأمة من بعد أنكاثها وتمزقها. الأمن الفكري إذن؛ لا يمكن اختزاله في الإرهاب، بل هو جمع لعدة سياقات متباينة أحيانا ومتداخلة أيضا وتصب كلها في تعزيز بقاء الدولة واستقرارها وثباتها في مواقفها وتطورها على كافة المستويات (العلمية والثقافية والاقتصادية والاجتماعية والسياسية... الخ). إن فهمنا للأمن الفكري في سياق عنصريه هذين يبعدنا عن التأويلات المتشائمة أو الخبيثة التي تلعب على وتر الحق وحرية الفكر، كما تخرج هذين الأخيرين من نطاق التحجيم المؤسسي أو السياسي وتقلل من مخاوف فئات من المثقفين؛ والأهم من ذلك أنها تضع آليات صناعة الأمن الفكري في مساراتها الصحيحة وتساهم وتعين على الانطلاق من نقطة ارتكاز واعية بالأساليب والغايات والأهداف وطرق التخطيط والتنسيق. إن احتفاءنا باليوم الوطني يجب أن يرتفع إلى مستوى وحدة الأمة؛ كمرتكز أساسي وكخط أحمر وكدستور مجتمعي لا حياد عنه.