الدول الكبرى لا تعالج أزماتها وفقاً لردات الفعل بالعالم، سواء قامت حروب أو انتفاضات أو ارهاب، إلاّ إذا وجدت مصالحها تتعرض للخطر، وهذا ما شهدناه في بقاع العالم كيف تتحرك وتواجه بالوقت المناسب تلك الأحداث.. أمريكا، كقوة منفردة في العالم، نجحت في حروب كبرى، وهزمت بغيرها، ولا توجد لها خصومات ثابتة، فهي تتوجه حيث مقياس نجاحها، ليس بالضرورة عسكرياً وإنما سياسياً واقتصادياً، ونراها في مختلف الظروف تستخدم أسلحتها اللينة والحادة والمتوسطة، وأحياناً تتجاهل مصادر الخطر على الدول الأخرى تبعاً لرؤية محللي رصدها وقراءاتهم لنسب المخاطر على مصالحها.. في العراق أقدمت على احتلاله، وخلق نسيج قوة عسكرية وتثبيت حكومته، وقررت أن توفر مساراً آخر يختلف عن ماضي الحكومات السابقة بإعطاء صورة غير واضحة لمعالم حكومة منتخبة وبخيار وطني دون إدراك للمناخ الذي أعقب الاحتلال ثم الانسحاب، وأن الخلل الذي صنعته حكومة المالكي التي أخذت الثوب الديموقراطي، هي النسخة الأسوأ حتى من نظام صدام، وأن الجيش التي سلحته ودربته خبراء أمريكا، وهيأوا أساليبه وعقيدته، كان من الاهتراء عندما سقط مع أول تجربة يخوضها ضد جماعات إرهابية لا تملك إمكانات دولة، وإنما فصيل عرف كيف يهزم ذلك الجيش بقواه وتدريبه، وإمكانات استعدادته.. بعد داعش، ورغم إنذارات الملك عبدالله بن عبدالعزيز بأن الإرهاب سيذهب بعيداً عن ساحته التي نما وترعرع بها إلى أوروبا ثم أمريكا، بدأت الصحوة المتأخرة، وتقويم الموقف، ثم المسارعة بخلق تآلف دولي يحارب هذا التنظيم، ورغم أن الاستعدادات جاءت متأخرة، وبحسب كل الخبراء بما فيهم قائدة التحالف ان المعركة لن تحسم بالطيران وحده، فالنتيجة جاءت هذه المرة من الرئيس أوباما نفسه الذي عارض التدخلات والحروب، واعتبار ما يجري في سورية والعراق شأنا داخليا سوف ينتهي كما سبق لوقوف الحروب الأهلية بسبب انهاك كل الأطراف، لينطق صراحة بأن «مخابرات بلده قللت من شأن المتشددين في سورية التي أصبحت قبلة الجهاديين» وبصرف النظر عن قبول أو رفض هذا التصريح، وفقاً لقدرات ما تصل إليه الاستخبارات من معلومات غير محدودة، فإن وجود خدعة أو تهاون، أو أي مبرر آخر يجعلنا نضع الموقف، والتقويم موضع تساؤل، بما في ذلك تقويم قوة العراق العسكرية في مكافحة الارهاب على أرضه.. ما حدث لا يمكن وضعه ضمن التقويم الساذج لأحداث بدول فيها مراقبون وعيون وسفارات كبرى، وإنما يعزى لتصورات، وليس تحليلات بأن ما يجري لا يستحق المغامرة، إلى أن وصلت النتائج إلى رفع أصوات حادة من قبل بعض أعضاء الكونجرس وخبراء الاستخبارات والساسة الذين يراقبون بصورة شاملة تلك التحولات والمتغيرات ومخاطرها القادمة.. مهما يكن الأمر فالتحالف ربما يوقف زحف دولة داعش، أو يعطلها مؤقتاً، لكن ما هو محير أنه حتى الآن لم تتخذ القرارات الأساسية من سورية التي هي مركز التنظيم وتناميه ثم تشكيل دولته بمعنى ترك الأساس، والذهاب للفرع وحتى تركيا تناور مرة لا تريد ان تدخل في التحالف بأفكار غير منطقية، وأخرى بدأت تراعي مصلحتها مع دول حلف الأطلسي، وربما تحت الضغط الأمريكي بدأت تتراجع عن ممانعاتها، وكما في الحرب صفقات وتدابير سرية تغلف بأخرى علنية، فإننا أمام مسرح جديد يدار بأكثر من لعبة ودور.