هناك مقومات حضارية لتعميق الوعي الوطني لدى الأفراد ومؤسسات المجتمع، ومن أهمها مراعاة أهمية المواطنة الحقة تجاه الوطن وتعميقها في النفوس، فهي أول وأهم دروع التحصين العلاجية للفرد والأمة. ولا ريب أنّ المواطنة الحقة توجب على المواطن أن يكون واعياً بما عليه وطنه من منجزات وأمن وأمان واستقرار، فلا يثير أعداءه عليه، ويحافظ على سمعة الوطن وحمايته من الاستهدافات السلبية، متذكراً أنّ مواقع التواصل الاجتماعي وسيلة لإيصال الصوت الوطني الواعي والمتحدث عن منجزات الوطن وليس المنتقد، أو ذلك الذي ينقل الشائعات. ولا شك أنّ هذه المواقع على "النت" هي المصدر والمتنفس الذي يعده أغلبهم وسيلة لتحقيق غايات تجوب في نفوسهم، وهذه الغايات يجب أن تكون منصفة ولا تثير الأعداء على وطنه ولا تشمتهم بما يقرأ عن وطنه، بل يجب أن تكون لديه ثقافة المواطنة الحقيقية التي ترسخ جل اهتمامها من أجل الوطن، وألا يستخدم ما يثير الفتن ويستوجب الشبهات. إساءة للوطن في البداية ذكر "د. فرحان بن سالم العنزي" - استشاري الإرشاد الأسري وعميد كلية التربية بجامعة حائل - أنّ ما يكتب من بعضهم في مواقع التواصل الاجتماعي من عبارات هجومية تنتقد كل ما في الوطن بشكل مجحف هو فعلاً يسيء إلى الوطن ويهدد أمنه واستقراره، ويجعل الجميع يعيش في قلق وتوتر وريبة تذهب الطمأنينة وتعيق التقدم، موضحاً أنّ التشكيك بجهود القادة والعلماء والمسؤولين عن طريق معرفات وهمية مدعاة للنوايا غير الحسنة والأهداف المبطنة، إذ إنّ الحقائق تستدعي الوضوح ومعرفة المصدر والهدف، وتتطلب النقاش والتقصي، وذلك لا يتأتى عن طريق مجهولين. وقال إنّ الحوار مهم وضروري جداً، والنقد البناء مفيد ويعمل على تقويم الجهود، ولكن له شروط من أهمها: التخصص، والخبرة، والتعددية، والتأكد من مصادر المعلومات، وهو ما لا يحدث في مجمل الكتابات، مبيّناً أنّه لا توجد حقائق مطلقه يعتقد أصحابها أنها صحيحة ويمكن التسليم بها عن طريق فضاء الإنترنت؛ لذا لابد من النقاش والحوار مع أهل الخبرة والاختصاص، محذراً من الانجراف وراء تلك الكتابات التي تدار من مجهولين يستغلون الحماس غير المنضبط لدى الشباب في الإساءة إلى وطنهم بطرائق غير مباشرة. وأضاف أنّ هناك أهمية لمعالجة الظاهرة من خلال تصميم وتنفيذ برامج إرشادية تهدف إلى تأكيد الهوية السليمة، وبناء الشخصية المتزنة، وإبراز أهمية استقرار الوطن للفرد والمجتمع، وكشف سلبيات عدم الاستقرار، والإفادة من وسائل الإعلام في ذلك، منوهاً بضرورة دراسة الأخطاء الموجودة والعمل على تصحيحها في مختلف المجالات، ومواجهة الضغوط بحلول عملية، داعياً المثقفين والكتاب والخطباء والمعلمين إلى نبذ الكتابات المسيئة للوطن، وتوضيح السلبيات المترتبة عليها. الوفاء للوطن أمانة متبادلة بين الأجيال رؤية معتدلة فيما أوضح "د. ناصر بن علي الموسى" - عضو مجلس الشورى رئيس مجلس إدارة الجمعية الخيرية للعوق البصري - أنّ الكتابات المسيئة تجاه الوطن من قبل أبنائه كالخنجر المسموم الذي ينخر في الجسد، فينهكه حتى يشل حراكه، متسائلاً: هل يعي هؤلاء أنّهم ينخرون في أجسادهم؟، مبيّناً أنّ النقد وحرية الرأي أخذت مساحة كبيرة في السنوات الأخيرة، لكن يجب أن يكون الإنصاف فيه هو السائد من خلال رؤية معتدلة وواقعية، بعيداً عن أي انحراف في التوجه والفكر وهو أخطر ما قد يعانيه وطننا الغالي، موضحاً أنّه يجب على المواطن أن يكون واعياً ومدركاً لمن هم يتبنون فكراً منحرفاً تبنوه ليغرروا به. وأضاف أنّ للإعلام بوسائله المختلفة ومؤسسات الدولة دوراً حيوياً ومهماً في غرس القيم النبيلة والتوعية لفئات المجتمع بالوطن والمواطنة الحقة، ولكن تبدو أهمية التربية المتمثلة في المدرسة هي النواة والحجر الأساس الحقيقي، فغرس الفضائل، والقيم، والأخلاق، والانتماء، وبناء السلوك الحضاري في نفس الطفل حباً وولاءً للوطن. مواطنة حقة وذكر "سعد التميمي" - مدير مركز التنمية الاجتماعية بحائل - أنّ من المعروف أن الثورة التقنية الحديثة لها إيجابياتها ولها أيضاً سلبياتها، فهي التي جاءت بأدوات جديدة للتواصل الاجتماعي، مضيفاً: "تذكرت المواطنة الحقة من خلال ما يطرح في هذه المواقع وما يقابلها من الجحود الذي تجده في كتابات بعضهم"، مشدداً على ضرورة تنمية الحس الوطني في هذه المواقع ومتابعة ما يطرح فيها، وتحذير كل من يحاول المساس بأمن هذا الوطن، فالشعوب المتحضرة استغلت هذه الأدوات للذود عن بلدانها ومناقشة الرؤى التنموية التي تعود على بلدانهم بالمنفعة والرقي. مواقع التواصل الاجتماعي تحولت إلى انتقاد غير بنّاء للوطن ومؤسساته مواقع إيجابية وبيّنت "خيرية الزبن" - باحثة اجتماعية من جامعة حائل - أنّ التصرفات والسلوكيات في مثل هذا اليوم محسوبة على الجميع من أبناء هذا الوطن، ويجب ألا تنعكس سلباً على الوطن في هذه الذكرى الغالية، بل إيجاباً بأسلوب حضاري منضبط يعكس الصورة الحقيقية للمواطن الواعي، من خلال المحافظة على الممتلكات والتصدي لكل محاولة فيها تشويه لسمعة هذا البلد والتقليل من قيمه منجزاته، لافتة إلى أنّ الشباب مطالب بإنشاء مواقع إلكترونية تظهر للعالم حضارة هذا الوطن ومنجزاته والمشروعات العملاقة التي أنجزت في عهد خادم الحرمين الشريفين، وأبراز الجامعات الحديثة في عهده الزاهر. ترف طارئ وأوضح "أ. د. محمد حمد الحربي" - أديب وكاتب ومستشار الموارد البشرية والتدريب وخبير أمن وسلامة - أنّ الإنسان الذي قُدّر له أن يعيش طرفا من المراحل العسيرة المبكرة عبر (83) عاماً لتكوين هذه الدولة التي امتزجت فيها عراقة البعدين الديني والحضاري، وواجهت تحديات التنمية وحافظت عليها، لا يقايض واحة الأمن والاستقرار ووحدة الشمل وإنجازات التنمية بثمن، وهو وإن تعامل مع الترف الطارئ ومع معطيات النفط، فهو لا ينفك دوماً يأمل في أن تستمر عملية التطوير والتحديث والإصلاح بكل أنماطها النافعة والمستنيرة، مطالباً بالتصدي لأوجه الخلل التي تنخر في بعض المفاصل من دون تبرير لأي تقصير، مشيراً إلى أنّ الوطن يمثل الجميع، ولكن بعضهم يكون جحوداً ناكراً للمعروف يتتبع الأخطاء ويصدق الشائعات ويعق الأمومة. وأضاف أنّ بعض وسائل الاتصال الحديثة أصبحت نذير شؤم على بعض الشباب، بما ينشر فيها من أكاذيب وقصص مفبركة ورسائل مسمومة، فيتغير مستقبلهم في اتباعهم الخاطئ لتلك الأكاذيب، ويغرر بهم ويستمعوا لنداء الشيطان، منوهاً بضرورة التفريق بين الغث والسمين وعدم التصديق بكل ما يدور في تلك الوسائل، مشيراً إلى أنّ المتابع لتاريخ المملكة يعلم أنّها دولة أقيمت على أسس فاضلة ورزينة وحديثة، تواكب الحدث وفي تطور مضطرد يرقى بها وبشعبها إلى أعالي المجد. نقد هادف وناشدت "د. وجنات حسين عابد الثقفي" - مدير عام مركز للاستشارات التربوية والتعليمية - أبناء وبنات المملكة بأن يكونوا شعباً معطاءً للوطن، وسيفاً في وجه الأعداء، الذين باتوا يتربصون في كل معقل، ومحفل، وصفحة، وقناة تواصل، مضيفةً: "يجب ألا نعطيهم الفرصة للنيل من كرامة وطن وعطائه ومنهجيته يسير على كتاب الله وسنة نبيه، فالمواطن الحق يجب أن يكون فقط ممن يشكر النعم ولا ينكر الجميل، لقد وهبك كثيراً وحق عليك الشكر والتقدير، لا تكن ناقداً بظلم، وكن ناقداً للتعديل والإصلاح، وأداة تدافع عنه لا تساعد في هدمه، وقف لحظات مع نفسك، وانظر لكل ما حولك تعليم بالمجان، وعلاج كذلك، وغيرك من أبناء الشعوب الأخرى يتمنى ويحسدك على ما تتمتع به أنت"، منوهةً بأنّ ذلك لا يعني حرمان الشخص من حقه في التعبير والحوار، وإنما تقنين الحوار ليكون بوعي، وليكون النقد هادفاً وبناءً. رؤية منصفة وقال "عبداللطيف محمد الجعفري" - مدير عام جمعية المعوقين بالأحساء: "تتوالى السنوات وسنابل الخير والعطاء ما فتئت تنمو وتزدهر في بلادنا الحبيبة، لترسم بمداد الإنسانية صور المحبة والوفاء حين نحتفل هذه الأيام بيوم الوطن؛ لذا يجب أن تظل سمة الوفاء والمحبة للوطن قوية حين يمسك الكاتب بقلمه، أو على لوحة المفاتيح من خلال التواصل الاجتماعي ليذم ويسب بلده لا لشيء، إلاّ أن يقال عنه أنّه معارض وصاحب رأي"، موضحاً أنّه يجب على الشخص أن يكون منصفاً لرؤيته وشعوره، وحتى وفكره وسلوكه اللفظي والأدائي تجاه وطنه.