نجحت "دارة الملك عبدالعزيز" في توثيق التاريخ الشفهي للمملكة العربية السعودية، وذلك عبر الحصول على كمٍّ هائل من الوثائق والمخطوطات، إذ ساهمت في حفظها وتدوينها، ونجحت في تنظيم ندوات ومحاضرات وورش عمل ترتبط بتاريخ المملكة، بل إنَّها توسعت في ذلك بأن أصبحت تُقدم عملاً نوعياً تجاه تاريخ "مكةالمكرمة" و"المدينةالمنورة"، كما نجحت في إنشاء مراكز بحثية من خلال "مركز الأمير سلمان لدعم الأبحاث" بالدارة، وقدَّمت الجوائز لها. ولكن رغم كل هذه الجهود، التي تُشكر عليها "دارة الملك عبدالعزيز" والقائمين عليها، إلاَّ أنَّ هناك من يرى أنَّ طبيعة الجيل الحالي يتطلب من "دارة الملك عبدالعزيز" أن تنتقل من الجانب الورقي إلى الجانب المرئي، بما يتناسب مع طبيعة هذا الجيل وثقافته ورؤيته، حتى نستطيع أن نلخص كل ما يدور في هذا التاريخ وهذه الوثائق في عمل مرئي يشد انتباههم. يرامج وثائقية وقال "د.فهد السماري" -أمين عام دارة الملك عبدالعزيز- :"نحن نعيش حالةً من الضعف في جانب الأفلام الوثائقية، وقد تمَّ تنفيذ فيلم (توحيد وبناء) بمناسبة المئوية، لشرح تاريخ المملكة بطريقة توثيقية سريعة وشاملة، وتعمل الدارة حالياً على إعداد برنامج يتناول تنفيذ برامج مجزأة وثائقية، تتناول جوانب أخرى من تاريخ المملكة، كمنطقة الجوف والقريات والحجاز وتبوك ومكةالمكرمةوالمدينةالمنورة، إلى جانب تناول قضايا معينة، ولن تنحصر في التاريخ بشكل خاص". وأضاف أنَّه سيتم وضع الموضوعات والعناصر لكل مناطق "المملكة" وقضايا تاريخية عامة، مثل: الأحداث التاريخية، التي مرَّت على "المملكة"، ومن ذلك "الحرب العالمية الأولى والثانية" والمجاعات والأوبئة، التي حدثت في "سنة الرحمة"، إلى جانب الشخصيات التي أسهمت في تاريخ "المملكة"، سواءً في المجال الثقافي أو الأدبي أو العلمي، وستكون مدة تسجيلها متفاوتة، فبعضها تكون لمجرد اخذ المعلومة لمدة دقائق معدودة، وبعضها يصل إلى (20) دقيقة، وذلك بأكثر من لغة، حسب توجُّه الموضوع. وأشار إلى أنَّ هناك توجُّهاً لدعم المواهب "السعودية"، التي لديها حس فني، مُضيفاً أنَّه تمَّ التنسيق مع بعض الجامعات بحثاً عمَّن لديهم مواهب من الجنسين، إلى جانب من لديهم اهتمام فني، من أجل توجيههم والإفادة من هذه الطاقات، التي تخدم تاريخ "المملكة"، على أن تتم مساعدتهم، ليستطيعوا تقديم منتج فني راقٍ على أعلى مستوى. رافد ثقافي وشدَّد "خالد ربيع السيد" -ناقد سينمائي- على أهمية اتجاه المخرجين الشباب إلى تسجيل الأفلام الوثائقية عبر إنتاج أفلام وثائقية، سواءً كانت طويلة أو قصيرة، مُبيّناً أنَّ هناك ثراء لا محدود من الموضوعات، التي يمكن أن يُصنع منها قصص وثائقية وتسجيلية، وأضاف : "أرى أن الافلام الوثائقية مهمة جداً، ولكن -للأسف-، لم يتم طيلة الفترة الزمنية من تاريخ المملكة توثيق تلك الأحداث في (فيلم)، بحيث يكون مرجعاً ورافداً ثقافياً للكثير من فئات المجتمع". وبيَّن أنَّ هناك كثيراً جداً من الموضوعات التى يمكن أن يتم التطرّق إليها في هذا الشأن، مُضيفاً أنَّ هناك موضوعات تتعلق بالأماكن، مُشيراً إلى أنَّ كل شبر في "المملكة" يُعدّ مصدراً لصناعة فيلم وثائقي، موضحاً أنَّ المنطقة ما بين "مكةالمكرمة" و"المدينةالمنورة" والطريق المؤدي الى "طريق الهجرة" يمكن أن تكون مشروعاً لأفلام وثائقية عدَّة، كما أنَّ جبال "مكةالمكرمة"، كجبل "حراء" و"ثور" ومنطقة "مزدلفة"، يمكن أن تكون مصدر إلهام لإنتاج أفلام وثائقية تنهل من المعين التاريخي. الصور والوثائق التاريخية يمكن أن تتحول إلى مشروع وطني سينمائي ضعف الانتاج وأضاف "السيّد" أنَّ الوطنية وحب الوطن تأتي بطريق غير مباشر وترسخ في نفوس الشباب عن طريق الأفلام الوثائقية، موضحاً أنَّه كلَّما ارتبط الإنسان بجذوره وهويته بشكل أكبر وبنواحي ثقافية كثيرة، كلَّما وجد نفسه مرتبطاً بوطنه بشكل أكبر أيضاً، لافتاً إلى أنَّ هذا التوثيق أصبح مطلب مهم جداً، داعياً القنوات الفضائية إلى تبنيّ هذا النوع من الأفلام، مُبيّناً أنَّ معدل دوران عرض الفيلم الوثائقي قليل، بمعني أنَّه يصعب عرضه أكثر من مرة في السنة، لذلك يجب أن يكون لدينا كمٌّ كبير من الافلام؛ لكي تُعرض بشكل مستمر طيلة العام. ولفت إلى أنَّ سبب ضعف الانتاج عائد لعدة أسباب، منها: صعوبة إيجاد الفكرة وكتابة "السيناريو"، الذي قد يأتي في أكثر من صورة، إما عبر استضافة الضيوف أو التسجيل، مُبيّناً أنَّها جميعاً فيها صعوبات ومشقة، إلى جانب تكلفتها العالية، خصوصاً أنَّ البعض يعتمدون على أنفسهم في ظل نقص الدعم وقلة الخبرة في الإدارة، مؤكداً أنَّ عزوف المخرجين الشباب عن مثل هذا النوع من الافلام يعود إلى اهتمامهم بحياتهم المعاصرة بشكل أكبر من التفكير في أعماق حياتهم التاريخية أو الثقافية. قلَّة الوعي وأكَّد "فيصل العتيبي" -منتج، ومخرج أفلام وثائقية- أنَّ لدينا ضعفاً في جانب التوثيق بشكل عام، ممَّا يجعلنا نفقد جزءاً من هُويتنا وتاريخنا لعدم توثيقها، مرجعاً السبب إلى قلة الوعي لدى بعض المسؤولين في الفن أو الثقافة أو الإعلام أو الأدب، حيث يقع على عاتقهم الحفاظ على تراث وتاريخ ومعالم وهُوية الوطن، كلاً في مجاله، مُضيفاً أنَّ أعمال التوثيق، التى تأتي في صورة أفلام وثائقية، بحاجة إلى متخصصين ووقت وتكلفة مادية، موضحاً أنَّها جميعاً غير متوفرة، وذلك لعدم وجود الاهتمام من الجهات المعنية. وأضاف أنَّنا نرى في موقع "يوتويب" الكثير من الأعمال الفردية لبعض الشباب، بيد أنَّها تكون متواضعة، موضحاً أنَّها حينما تكون في إطار مؤسسي ستكون أعمالاً جيدة تُعزز مفهوم الوطنية وتاريخنا وحضارتنا، كما أنَّها ستجعل صورتنا تصل للعالم بشكل لائق، بدلاً من الصورة النمطية السائدة التي تطغى عليها بعض المعلومات المغلوطة والاتهامات المكذوبة، مرجعاً ضعف الافلام الوثائقية إلى أنَّها مكلفة مادياً وتحتاج لطاقم فني محترف بدءاً من الباحث وكاتب السيناريو والمخرج وصولاً إلى الطواقم الفنية والترويجية والنشر. مادة مُشوّقة وأوضح "صالح الزبير" -رئيس تنفيذي لتكانه قروب- أنَّ الفيلم الوثائقي توثيق ورصد لحقائق علمية، سواءً كانت تاريخية أو سياسية أو غير ذلك، مُضيفاً أنَّها تسرد هذه الحقائق والمعلومات عبر تصويرها فيلمياً، عن طريق عمل تحقيقات معيّنة، إلى جانب الاستشهاد بمراجع قد تكون موجودة في عصرنا الحالي أو عبر مصادر موثوقة ومعتبرة لبعض الأحداث التاريخية، مؤكداً أنَّ الأفلام الوثائقية أصبحت مادة مشوقة للجمهور، بل أصبحت تنافس على شباك التذاكر وتحصد الملايين. وأشار إلى أنَّ ما يُميِّز الأفلام الوثائقية عن غيرها، أنَّها تعرض حقيقة ما، قد تكون تاريخية أو حالية لا يعرفها الإنسان العادي، موضحاً أنَّها قد تتعمق أحياناً في تاريخ حرب معينة، أو عن حيوان أو حتى حشرة صغيرة ما، لتبحر بالمشاهد والجمهور في بحر كبير من المعلومات الموثَّقة والممتعة والمثيرة، ليخرج المشاهد بعدة ثمرات من هذه الأفلام، ومنها معلومات قيمة تزداد بها ثقافته الشخصية، إلى جانب ما يقضيه من وقت ممتع في مشاهدتها. خلل فني وأضاف "الزبير" أنَّ محتوى الأفلام الوثائقية في "المملكة" فقير في جانب إنتاج مثل هذه الأفلام، إلى جانب أنَّ الأفلام الوثائقية ضعيفة جداً ولاتوازي ما وصل إليه العالم في هذه الصناعة، مؤكداً انَّ "المملكة" منطقه تاريخية مليئة بالقصص والمواقع والأحداث التاريخية والسياسية، ممَّا يجعلها ثروة مهمة لمنتجي الأفلام الوثائقية، مرجعاً قلَّة الأفلام الوثائقية في "المملكة" أو ضعفها لعدة أسباب، منها قلة خبرة المنتجين فنياً، مُشيراً إلى أنَّ العمل هنا لا يمر بمراحل الانتاج العالمية، التي يمر بها الفيلم الاحترافي حتى يصل للمشاهد. ولفت إلى أنَّه عادةً ما يظهر خلل فني واضح في "الفيلم" يعود لقلة خبرة المنتج في أسلوب وطريقة صناعة هذه الأفلام؛ ممَّا يجعلها ركيكة وغير متكاملة، وبالتالي لا تروق للمشاهد ولا تشده، سواءً من حيث الصورة وأسلوبها، أو حتى طريقة سرد المحتوى، موضحاً أنَّ إنتاج "فيلم" كامل العناصر الفنية والتجهيزات المتكاملة يُكلِّف المنتج وقتاً أكبر، إلى جانب زيادة التكلفة المادية، وكذلك عدم تشجيع الجهات التلفزيونية الحكومية لمثل هذه الصناعة، وتقسيمها بما ينصفها مالياً ومعنوياً. وأكَّد أنَّ إقبال الشباب على القراءة حالياً قليل جداً، مُضيفاً أنَّ ذلك سيتحوّل إلى مشكلة مجتمعية بمرور الوقت، في ظل قلة وندرة الأفلام الوثائقية الاحترافية في "المملكة"، مشيراً إلى أنَّ هذه الأفلام وسيلة مهمة جداً للتثقيف والتوعية، في ظل مزج المتعة بمشاهدة عدة لوحات فنية داخل "الفيلم"، يحيث تجمع بين المعلومات والصور الجميلة، مُضيفاً أنَّ الشاب بات قادراً على تمييز الفلم من الناحية الفنية، كما أنَّ المجتمع أصبحت لديه القدرة على نقد المحتوى، لافتاً إلى أنَّ ذلك يعني أنَّه متى ما وجد "فيلماً" متكامل العناصر، فإنَّه سيحصل على مشاهدة جيدة من الشباب ومن جميع أفراد المجتمع. ارتفاع التكلفة وأرجع "مجدي عبدالعزيز وعدو" -كاتب، ومنتج أعمال وثائقية- ضعف إنتاج الأفلام الوثائقية لتكلفتها العالية، خصوصاً تلك التى تتعلق بتوحيد "المملكة"، مُشيراً إلى أنَّه من المُفترض أن تتولاها "هيئة الإذاعة والتلفزيون" وتخصص لها التمويل المناسب، مُضيفاً أنَّ الأفلام الوثائقية تعاني من ضعف المردود المالي مقارنةً بما يُصرف عليها، بالمقارنة مع "المسلسلات"، التى تُنتج وتتهافت على شرائها كثير من القنوات التلفزيونية.