في البداية لابد من الإشارة الى انه من المتوقع خلال القرن الحادي والعشرين وتقريبا في الربع الأخير منه أن يتمكن العرب من إحداث تحولات ثلاثة تشمل "التحولات السياسية، وتغيرات القومية، وتجديد الخطاب الديني" وستكون هذه التحولات بلا شك من الناحية النظرية والعملية إيجابية بشكل كبير، لأنها سوف تكون قد ساهمت في تغيير الثقافة المجتمعية في العالم العربي ما يعني اندماج المجتمعات من خلال الافراد في هياكل اقتصادية وثقافية تحدد علاقتهم بالسياسة والقومية والدين. السؤال الأول يقول ما الذي يمكن أن يجعل مثل هذا التوقع صحيحا أو على الأقل قابلا للحدوث وخاصة في تجديد الخطاب الديني وإعادة تشكيله؟ وهل يمكن أن يُحدث تغيرا في الاضلاع الثلاثة التي ظلت تتحكم في تغذية البناء الاجتماعي لقرون طويلة؟ الجواب يبدأ من اسهامات علماء الاجتماع الذين يؤكدون أن التغير في البنية الاجتماعية يمكن أن يحدث بشروط ترتبط بالبناء الثقافي ومكوناته الكبرى، وسوف أركز في هذا المقال على الازمة التي فتحت ملفاتها (داعش) حول الإسلام والعرب وماذا نحتاج لكي يحدث التغيير المتوقع. خطابنا الإسلامي اليوم يصادم واقعنا في هذا الزمن، ويربك حركة التاريخ، ويثير الشكوك في الشعوب الإسلامية حول التغير الإنساني كسنة كونية، حتى أصبح المسلم العربي يعتقد أن الاتجاه الصحيح هو للخلف (لصورة الماضي) وليس للأمام والمستقبل (لصورة الحياة) عندما تحدث عالم الاجتماع الفرنسي (دوركايم) وقال إن الدين "كظاهرة اجتماعية - وهي تتسم بالثبات من حيث الوجود -يمكن تحليله" فقد كان ذلك الحديث بمثابة المؤشر الأساسي لإمكانية التجديد في أي خطاب ديني، ومع انني أدرك أن هناك من يرفض إطلاق وصف الظاهرة على الدين فإنني أؤكد أن من يرفض هذا التحديد الذي يصف الأديان كظاهرة ليس لديه البديل التعريفي للدين ودوره في المجتمع، فمثلا في آية من آيات القرآن الكريم يصف الخالق سبحانه وتعالى في الآية "19" من سورة آل عمران - الدين الذي خص به محمدا عليه الصلاة والسلام بأنه الإسلام وهذا يعني أن الدين ظاهرة مجتمعية بمسارات مختلفة عبر العصور منها "الدين اليهودي والمسيحي ومن ثم الإسلام وغيرها من الاديان". الخطاب الديني الإسلامي مرتبط بشكل كبير بالكم الفكري من اسهامات علماء الإسلام وتفسيراتهم المستمرة للظاهرة الدينية في محاولة لتبسيطها أحيانا، وفي محاولة لحمايتها أحيانا أخرى حيث وقع البعض بالمبالغة في ذلك، ولكن هناك من وقف على الجانب السلبي في تفسيراته للدين حيث اعتمد الكثير من المتشددين في التفسيرات الدينية للإسلام منهجا حادا في شرح التطبيقات الدينية للمجتمعات. لذلك ظهرت التفسيرات ذات الطابع العنيف والتي تستند الى مرجعيات مقدسة في الإسلام، هذه التفسيرات ذات الطابع العنيف تمكنت من إيجاد اتباع لها عبر التاريخ هم عبارة عن جماعات مارست العنف والقتل والتكفير باسم الدين، هذه المرجعيات التي تنتهج العنف في الإسلام عبر تشريع القتل الشنيع والإرهاب شكلت مراحل خطيرة في التاريخ الإسلامي ففي كل مرحلة زمنية يعاد انتاج العنف باسم الدين بطريقة أكثر عنفا. حدث هذا بشكل تاريخي فريد في الخمسة عقود الأخيرة حيث ظهر تنظيم القاعدة بمنهجه الإرهابي الخطير، وفي ذات الوقت استمرأت تنظيمات إسلامية أخرى العنف وقدمته على انه استعادة للحقوق ونصرة للدين، وهذا ما فعلته جماعة الاخوان المسلمين، وأخيرا ظهرت مجموعة (داعش) التي يوحي اختصار اسمها بأنها صناعة مفتعلة من قبل مخابرات دولية تورطت بها وتساهم في توريط الإسلام بالعنف عبر تبني هذه المجموعة. كيف سيتخلص العرب من هذه الجماعات الإرهابية الخطيرة؟ هذا سؤال مفتوح يصعب تجاوزه فما جرى من ولادة سريعة لتنظيم داعش وخلال ثلاثة اشهر فقط يثير الكثير من الأسئلة القلقة، فالتراكم التاريخي والمراحل التي مر بها تنظيم "داعش" الى أن ظهر الى الوجود مختلف تماما عن كل المنظمات الإرهابية لأن طبيعة النمو الفكري للجماعات المتطرفة مختلف تماما عما مر به ظهور تنظيم "داعش" السريع. اليوم هناك دول تدرك أن هذا التنظيم خطير جدا وخاصة تلك الدول العريقة في المنطقة وذات التجربة التاريخية الطويلة في معرفة الطبيعة المجتمعية والعلاقة المستمرة بين مجتمعاتها والدين، فهذه الدول وعلى رأسها المملكة العربية السعودية تعلم أن تمكين الجماعات المتطرفة من تحقيق انتصارات جغرافية انما يشكل تهديدا للعالم كله وليس المنطقة وحدها. تنظيم "داعش" الذي يقدم نفسه سياسيا على انه تنظيم يسعى الى تشكيل خلافة إسلامية من خلال منظّري التنظيم الذين نسوا تماما ان إقامة الخلافة تاريخيا يتطلب: وجود كسرى الفرس وقيصر الروم، وصحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، والا ستكون الفكرة مضادة للتاريخ بل إن فكرة الخلافة بهذا المنطق الذي تطرحه "داعش" أصبحت مدعاة للنيل من الإسلام. التاريخ يدرك تماما أن الخلافة الإسلامية لم تنشأ بذات الطريقة التي تعرض بها "داعش" تاريخنا الإسلامي ، فالخلافة الإسلامية لم تكن مجموعة من تنظيمات إجرامية تعتمد حرب العصابات او الاجرام المباشر، فالكل يدرك أن الخلافة الإسلامية هي مرحلة تاريخية انتهت ولن تعود بل يستحيل عودتها بذات الصيغة او المعنى الذي كانت عليه في عهد الدولة الاموية أو العباسية، كما ان الخلافة الإسلامية التي نعترف بها خلافة قامت على قيم ومبادئ إنسانية لم يكن الاجرام منهجها، لذلك يطرح المسلمون اليوم السؤال المهم: هل ما يجري على يد (داعش) هو صورة التاريخ الإسلامي وخلافته، ولماذا يسمح المسلمون بظهور هذه الصورة المشوهة للإسلام؟ من يجب أن يكون المسؤول الأول عن فتح ملفات الإسلام والعرب؟ ومن المسؤول عن الإجابة عن الأسئلة المهمة ومن سوف يعلق الجرس ليعلن هدم التاريخ السلبي الذي تتعاطاه الشعوب الإسلامية حول ديننا الإسلامي؟ ومتى سوف ننطلق لنعيد قراءة تاريخنا لتغيير خطابنا الإسلامي بكل جرأة، على سبيل المثال السريع هناك الكثير من كتب التاريخ بعضها قريب من رموزنا ومجددي الخطاب الديني في مجتمعنا، هذه الكتب كتبت بطريقة سلبية تسيء لتلك الرموز وتسيء للإسلام ويستغلها الأعداء للترويج لوجه سلبي يرونه هم في تاريخنا لذلك يجب تغييبها من الوجه التاريخي لمجتمعاتنا. خطابنا الإسلامي اليوم يصادم واقعنا في هذا الزمن، ويربك حركة التاريخ، ويثير الشكوك في الشعوب الإسلامية حول التغير الإنساني كسنة كونية، حتى أصبح المسلم العربي يعتقد أن الاتجاه الصحيح هو للخلف (لصورة الماضي) وليس للأمام والمستقبل (لصورة الحياة) ومن نتائج ذلك اعتمادنا التاريخ كمرجع في صياغة هذا الخطاب الديني دون فحص في واقعه بل لم نعتمد التحديث والتطوير والتفسيرات المتلازمة مع التحولات البشرية وطبيعة الزمان والمكان.