نتفق جميعاً على أن هناك حراكاً حكومياً تجاه الحد من تدفق السلع الاستهلاكية المقلدة والمغشوشة داخل المملكة، والتصدي لمحاولات تمرير ما يضرّ منها بصحة الإنسان وسلامته، كما نتفق أيضاً أننا تأخرنا كثيراً في معالجة الخلل الإجرائي والفني الذي نشأ عن دخول مثل تلك السلع، خاصة ما يتعلق بإجراءات تحديد المواصفات القياسية، وضمان سلامة شهادات المطابقة، وتوفير مختبرات كافية ومتطورة لكشف العينات العشوائية، والرقابة اللاحقة في الأسواق. ومع كل ما تم من خطوات تصحيحية، وجهود مؤسساتية مشتركة بين هيئة المواصفات والجمارك ووزارة التجارة والصناعة؛ للحد من دخول السلع المغشوشة والمقلدة، إلاّ أن الموضوع بحاجة إلى جهود أكبر، وصلاحيات أوسع، لا سيما وأن حجم تدفق الواردات إلى المملكة وصل إلى (629) مليار ريال عام 2013، وبالتالي نحتاج إلى حلول تبدأ من بلد المنشأ، مثل ما تم الاتفاق عليه بين المملكة والصين، وتفعيل دور الملحقيين التجاريين للمملكة في الخارج، وتبادل النتائج الفنية للمختبرات بين بلد المنشأ وبلد الاستهلاك، إلى جانب وضع اسم المنشأة أو العلامة التجارية على كل سلعة تدخل المملكة، ومحاسبة كل من تورط بمواد مغشوشة أو مقلدة، والتشهير به في قائمة سوداء. ندرك تماماً أن المواطن شريك في الإبلاغ عن المواد المغشوشة والمقلدة في السوق - تتلقى وزارة التجارة نحو (15) ألف بلاغ شهرياً - وندرك أيضاً أن هذه البلاغات دليل وعي من المستهلك، ورغبة في تصحيح مسار السوق، ولكن يبقى السؤال: لماذا نترك المواطن ضحية دائماً؟ وماذا يعني ضبط مئات الآلاف من السلع غير المطابقة للمواصفات القياسية؟ وكيف وصلنا إلى هذا المستوى؟ وما القادم مستقبلاً؟، ومتى نتوقع أن نصل إلى حلول أفضل؟. «الرياض» تتناول في هذا التحقيق إجراءات سلامة وصول السلع الاستهلاكية إلى المملكة، ومدى كفاية تلك الإجراءات. برامج اعتراف وأوضح «عبدالمحسن بن محمد اليوسف» -نائب محافظ الهيئة السعودية للمواصفات والمقاييس والجودة للشؤون الفنية المتحدث الرسمي- أنّ الهيئة من الجهات التي تعمل ضمن المنظومة الرقابية في المملكة، ممثلة في وزارة التجارة والصناعة، ومصلحة الجمارك، ووزارة الشؤون البلدية والقروية، بالإضافة إلى مهامها التشريعية في إعداد وتبني المواصفات القياسية واللوائح الفنية وإجراءات تقويم المطابقة؛ بهدف ضبط مطابقة المنتجات والسلع التي تصل إلى المستهلك، ويتم تداولها في السوق للمواصفات القياسية السعودية، مما يحافظ على سلامة المنتجات -بإذن الله-. وقال إنّ المنظومة الرقابية تعمل وفق آلية محددة تهدف إلى ضبط المنتجات والسلع غير المطابقة للمواصفات القياسية السعودية -المستوردة والمصنعة محلياً على حد سواء-، مشيراً إلى أنّ تطبيق المواصفات القياسية السعودية واللوائح الفنية يعدّ خط الدفاع الأول أمام تدفق المنتجات المخالفة للأسواق، مبيّناً أنّ الهيئة تعمل على إبرام برامج اعتراف متبادل بشهادات المطابقة مع العديد من الجهات المناظرة أو الشركات المتخصصة بعد تحديث هذه البرامج مطلع عام 2014م؛ بهدف إصدار شهادات في بلد المنشأ تدل على أنّ المنتجات المصدرة للمملكة مطابقة للمواصفات القياسية، إلى جانب سعيها لتفعيل الرقابة السابقة، بحيث يتم إجراء الاختبارات في بلد المنشأ قبل صدور الشهادة، لافتاً إلى أنّ هذه البرامج قد تضمنت مسؤولية تلك الجهات قانونياً ومالياً عن الشهادات التي تصدرها، مع أهمية معاينة جميع الشحنات التي تحتوي على منتجات عالية المخاطر -وفق تصنيف فني محدد- على أن يتم تحريزها قبل شحنها وتصديرها للمملكة. 15 ألف بلاغ شهرياً وأضاف «اليوسف» أنّ مصلحة الجمارك بالتعاون مع المختبرات الخاصة المعتمدة من اللجنة السعودية للاعتماد التي ترأسها الهيئة لا تألو جهداً في الدور المناط بها لمنع أي منتج مخالف من دخول أسواق المملكة، وتسحب عينات وإحالتها لتلك المختبرات للتحقق من مدى مطابقتها للمواصفات القياسية، إضافةً إلى أنّ الحملات الرقابية على الأسواق التي تنفذها وزارة التجارة والصناعة بمشاركة الهيئة في بعض الحالات تحدّ كثيراً من تواجد المنتجات المخالفة في الأسواق، حيث تتلقى الوزارة نحو (15.000) بلاغا شهرياً عن الغش التجاري، وضبط مئات الآلاف من السلع غير المطابقة للمواصفات القياسية، منوهاً بأنّ الهيئة نفذت خطة لسحب عينات من نحو (1200) سلعة من مختلف أسواق مناطق المملكة خلال العام 2014م، واختبارها في مختبراتها للتأكد من مطابقتها للمواصفات، ويتم رفع تقارير بنتائج تلك الاختبارات وإبلاغ وزارة التجارة والصناعة أولاً بأول حول أي مخالفات لاتخاذ الإجراءات المناسبة، مؤكّداً على تكامل التنسيق والتفاهم التام بين الجهات الرقابية سعياً للتكامل في جهودها الرقابية، حيث تشارك معاً في الكثير من الحالات. وأشار إلى أنّ الهيئة تسحب وبشكل دوري سلعاً ومنتجات استهلاكية من الأسواق عشوائياً، وإجراء بعض الاختبارات عليها؛ للتحقق من مطابقتها للمواصفات القياسية، وبالتالي سلامتها وجودتها، وتنشر الهيئة السلع غير المطابقة على موقعها الإلكتروني؛ لتوعية المستهلك بخطورة تلك المنتجات وتأثيرها السلبي على صحته وسلامته، كما تبلغ وزارة التجارة والصناعة بهذه المنتجات ليتم اتباع الخطوات القانونية اللازمة لذلك، لافتاً إلى أنّ الهيئة تستخدم وسائل إعلامية متنوعة منها وسائل التواصل الإعلامي الجديدة، إلى جانب الصحف والمجلات، بالإضافة إلى مجلة المستهلك والجودة التي تصدرها وتشرف عليها الهيئة، وتعد مرجعاً أساسياً للمستهلك للحكم على جودة السلع، وكل ذلك بهدف تفعيل دورها في الارتقاء بوعي المستهلك والمجتمع، والحرص على اقتناء المنتجات الحاصلة على علامة الجودة والمطابقة للمواصفات. عبدالمحسن اليوسف عيسى العيسى عناصر الاستيراد ورداً على من يرى أنّ مستوى تفعيل تلك الاجراءات لا يرقى إلى المستوى المطلوب أو غير كافية؛ أوضح «اليوسف» أنّ المنظومة الرقابية في المملكة بما فيها الهيئة تعمل بشكل جدي وسريع مع متطلبات ومستجدات الوضع الواقعي في السوق السعودي، مستشهداً بما تعلن عنه وزارة التجارة والصناعة من ضبط لسلع غير مطابقة للمواصفات كدليل على الجهود المبذولة، إضافةً إلى البرامج التي تم توقيعها مع الجهات الخارجية المتخصصة، والتي تهدف للحد من تدفق السلع غير المطابقة للمملكة، خاصةً ما يرد من الصين، كون حجم الاستيراد منها عالٍ جداً، وقد بدأت تظهر نتائج تلك الجهود على الواقع وبدأ يشعر بها المستهلك بشكل كبير، مستدركاً: «لكننا نطمح ونتطلع للقضاء نهائياً على تلك السلع، وذلك يتطلب تظافر الجهود والتعاون الفعّال لكافة عناصر حلقة الاستيراد: الجهات الرقابية، والتجار، والمستهلك، والمستورد، خاصةً المستورد حيث تقع عليه مسؤولية كبيرة تجاه الوطن والمواطن، والذي نتوقع منه الحرص على توفير المواصفات القياسية السعودية والخاصة بالمنتجات التي يستوردها والطلب من المصانع العمل على تطبيقها قبل شحنها». إدارة المخاطر وبيّن «عيسى بن عبدالله العيسى» -المستشار والمتحدث باسم المصلحة العامة للجمارك- أنّ الجمارك السعودية بدأت في التركيز على محاربة ظاهرة البضائع المغشوشة والمقلدة مع بداية عام 2008م، واتخذت العديد من الإجراءات، ثم بدأت في تطبيق نظام إدارة المخاطر على الإرساليات المستوردة والمصدرة والعابرة، حيث يعتمد ذلك النظام على تحليل المعلومات والسجلات التاريخية للإرساليات السابقة مما يمكن من توقع وضع الإرساليات المستقبلية للتأكد منها في ضوء المعلومات التاريخية، موضحاً أنّ الجمارك السعودية لديها قائمة للمؤسسات والشركات التي تستورد هذه السلع، وكذلك قوائم بالمؤسسات والشركات المصدرة، ويتم تدقيق إرساليات المؤسسات والشركات المدرجة في هذه القوائم لمنع محاولة إدخال هذه البضائع، كما أنّ هناك وحدة إدارية مركزية بمصلحة الجمارك العامة تُعنى بمكافحة الغش التجاري والتقليد من خلال تكوين قاعدة بيانات عن الواردات من السلع المغشوشة والمقلدة، وإعداد الإحصاءات الدقيقة وتحليلها وإعداد الدراسات التي تساهم في الحد من دخول السلع المخالفة. دلالة المنشأ وقال «العيسى» إنّ هناك أقساما في عدد من المنافذ الجمركية من مهامها متابعة تنفيذ التعليمات الصادرة فيما يخص الغش التجاري والتقليد، إضافةً إلى المراقب الجمركي عند إجراء المعاينة، حيث يتأكد من وجود دلالة المنشأ على المنتج الوارد حسب المستندات المقدمة من الفواتير، وشهادة المنشأ، والتحقق من مواصفاتها وتحري الدقة في أن تكون أصلية، إلى جانب سحب عينات ترسل للمختبرات العامة أو المختبرات الخاصة المؤهلة والمرخص لها، وفقاً لنظام المختبرات الخاصة الصادر بموجب المرسوم الملكي رقم م/3 في 8/2/1423ه لفحص وتحليل الأصناف التي لا يستطيع المعاين الجمركي التقرير بأنّها مطابقة للمواصفات والمقاييس المعتمدة، أو أنها صالحة للاستخدام الآدمي، أو أنها غير مغشوشة أو مقلدة. وأشار إلى أنّه تمت الاستعانة بعدد من الشركات الاستشارية التي تملك توكيلاً عن ملاك العلامات التجارية للتعاون في مجال مكافحة الغش التجاري والتقليد وحماية حقوق الملكية الفكرية، والإفادة من خبرات هذه الشركات في مساعدة المراقبين الجمركيين في تمييز المنتج الأصلي من المقلد وتزويدهم بالمعلومات التي تساعدهم على ملاحظة الفروقات والاختلافات، إلى جانب تعزيز عملية تبادل المعلومات مع الجهات المختصة مثل: وزارة التجارة والصناعة، الهيئة العامة للغذاء والدواء، الهيئة السعودية للمواصفات والمقاييس والجودة، وكذلك مع الدول الأخرى من خلال منظمة الجمارك العالمية، حيث يتم تزويد المكتب الإقليمي لتبادل المعلومات «ريلو الرياض» بمعلومات عن ضبطيات الغش التجاري والتقليد لإدراجها ضمن نظام شبكة المكافحة الجمركية «CEN DATABASE»، مؤكّداً على أنّ هناك إجراءات متخذة من الجمارك، وتحتاج دائماً إلى تعزيز وتنسيق مشترك مع الآخرين، خصوصاً مع الجهات الرقابية والعمل بصورة تكاملية كل حسب اختصاصه. مغشوش ومقلد وأوضح «العيسى» أنّ الأرقام والإحصاءات والشهادات العالمية خير دليل على قوة ما تم اتخاذه من إجراءات في ضبط عدد كبير من الأصناف المقلدة والمغشوشة، مبيّناً أنّه بالرجوع لما تم ضبطه من المواد المغشوشة والمقلدة لعام 2013م نجدها بلغت حوالي (125.5) مليون وحدة، وعدد القطع التي منع دخولها لعدم مطابقتها للمواصفات والمقاييس حوالي (122) مليون قطعة، وفي النصف الأول لعام 2014م بلغ عدد ما تم ضبطه حوالي (47) مليون وحدة، وعدد القطع التي منع دخولها لعدم مطابقتها للمواصفات والمقاييس حوالي (43) مليون قطعة، ومن المؤشرات أيضاً ما تمت ملاحظته من واقع حملات الجهات الرقابية داخل المملكة لجوء ضعاف النفوس من ممتهني المتاجرة بالسلع المقلدة والمغشوشة إلى إنتاجها بالداخل، تحسباً لضبطها من قبل المنافذ الجمركية، لافتاً إلى أنّ الجمارك السعودية استمرت وللعام الرابع على التوالي في التقدم بمجال مكافحة الغش التجاري والتقليد وحماية حقوق الملكية الفكرية، على مستوى جمارك دول العالم الأعضاء بمنظمة الجمارك العالمية البالغ عددها (179) دولة، حيث احتلت المركز الثاني في عدد حالات ضبط المواد المخالفة لحقوق الملكية الفكرية، وجاءت في المركز الرابع في عدد القطع التي تم ضبطها، طبقاً لتقرير منظمة الجمارك العالمية السنوي لعام 2013م عن نشاط الجمارك الأعضاء بالمنظمة. «اتفاقية الصين» خطوة على الطريق الصحيح وقعت وزارة التجارة والصناعة اتفاقية تعاون مع هيئة الرقابة الصينية لمكافحة السلع المقلدة والرديئة، تضمنت عمل قائمة سوداء مشتركة بين الدولتين للمصدرين والمستوردين المتاجرين بالسلع الرديئة، إلى جانب فرض عقوبات على المورد أو المصدر والمصنع في الدولة الأخرى، إذ ثبت تورطهم في التعامل مع سلع مغشوشة أو مقلدة. وتهدف الاتفاقية إلى الحد من تدفق البضائع الاستهلاكية المقلدة والمغشوشة للأسواق السعودية، من خلال اتخاذ عدة تدابير، منها وضع قائمة سوداء بأسماء التجار والمصانع التي تتورط في تقليد وغش المنتجات في كلا البلدين، وضمان عدم تمكنها من التصدير أو الاستيراد للبلد الآخر، إلى جانب وضع قائمة سوداء بالمختبرات وجهات منح شهادات المطابقة المخالفة للأنظمة المحلية المتورطة في تداول سلع مقلدة أو مغشوشة، كما تضمنت معاقبة المستوردين المتورطين في الغش والتقليد في بلد الاستيراد، وإشعار الطرف الآخر لمعاقبة المصدر والصانع، وتبادل المعلومات عن نتائج المختبرات والجهات المانحة لشهادات المطابقة التي تكون مخالفة للواقع، وتبادل الاجتماعات بين الطرفين لمتابعة تنفيذ بنود الاتفاقية بكل حرص ودقة. وتضمنت العقوبات التي أُقرت في الاتفاقية نظام عقوبات الغش التجاري الذي تطبقه وزارة التجارة والصناعة، ومن بينها التشهير والغرامات، فيما سيطبق الجانب الصيني العقوبات المقررة في نظامه الخاص به، ويواصل الجانبان اجتماعاتهما كل ثلاثة أشهر لضمان تنفيذ الاتفاقية على النحو المأمول.