دعوات كثيرة عن ضرورة إنشاء تحالف دولي لمكافة الإرهاب، وأخيراً تبنت أمريكا هذا الموقف لمطاردة داعش، لكن مع افتراض نجاحها بحشد الدول التي تلتقي معها على هذه الضرورات أو الإستراتيجية التي تضع الجميع على مسافة واحدة من المهمة، وكل بحسب قدرته المادية والعسكرية، نجد أن أطرافاً أخرى، إذا لم تكن متسامحة مع الإرهاب بأشكاله المختلفة، فهم لا يريدون لعب دور مكافحته. فروسيا تلتقي علی خط واحد مع الأسد، والذي بدوره يعد أحد أعمدة داعمي داعش، نشأتها وأدوارها التي تؤديها، ورغم اتساع الخلافات بين دول الأطلسي وبينها حول أوكرانيا وتنامي الضغوط الاقتصادية والسياسية، فمن غير الممكن جر روسيا إلى هذا التحالف، بل تراه فرصة لتوريط دول التحالف بفتح معارك طويلة تستنزف الجميع. تركيا، هي الأخرى، ورغم أنها عضو في حلف الأطلسي، فقد أصبحت قنطرة عبور لتهريب الإرهابيين إلى سورية والعراق، والتزامها بخط التحالف الجديد قد يكون تجميلياً فقط، لأن المشكل في تركيا رؤيتها أنها القائد الجديد للمسلمين، وقد كُشف هذا الوجه مع إزاحة نظام الإخوان في مصر، وبالتالي قد لا ترى في داعش خطراً عليها وتعتبرهم مسلمين، لهم خط متشدد، والدليل أنها في موقفها السياسي من عملياتهم لم نجد الإدانة، أو التمييز بين خط الإسلام المعتدل والإرهابي، وبالتالي هل يمكن أن تنخرط في التحالف وتعطي جدوى له بدلاً من التهرب أو سلوك مبدأ الصمت حيال ما يجري؟ صحيح أنها مع نظام الأسد على خلاف، ولها دور في إيواء اللاجئين السوريين، لكننا لا نجدها تدعم قوة المعارضة سياسياً وعسكرياً، وقد تكون لها مبرراتها الخاصة أو تحليلها لظروف جارتها وفقا لما تراه الالتزام بعدم التدخل في أراضي الغير. إيران تلعب دور الإرهابي في العراق واليمن، وتمتد شرايين أخطارها إلى السودان وغيره، وقد تلتقي مع الأفكار التي تدين داعش لأنها الخطر الذي تراه يهدد القوى العراقية المؤيدة لها ولنظام الحكم هناك، ولكن دخولها بأي شكل يعني خسارة الطرف السني سواء داخل العراق أو خارجه، بما فيه الدول التي يمكن أن تساهم بالتحالف بشكل فعال، وهذا ما جعل أمريكا حذرة، لكن لا يوجد ما يؤكد عدم التعاون، حيث الدول الكبرى تبحث عن مصالحها أولاً لدرجة التصالح مع الأعداء إذا كانوا سيصلون إلى أغراضهم بسهولة. التحالف الدولي مطلوب طالما تأكد أن الجميع هدف للإرهابيين، وقد تحركت المملكة قبل أن تكبر قوى الإرهاب، والملك عبدالله، شخصياً، هو من دعا وأنذر، وأعطى المال في سبيل غلق منافذ الإرهاب، ومع ذلك ما زلنا نكتشف في داخل المملكة خلايا وأشخاصاً وتسرب أموال تهدد سلامة أمننا ومجتمعنا، ولعل الشعور المشترك بخطر داعش سبقه إدراك خطر القاعدة والتي اعتقدت أمريكا وغيرها أن التنظيم انتهى باغتيال قادته، لكن المفاجأة أن تصبح العراق وسورية هما منشأ وبروز هذه القوة، بل تجاوزها لعنف القاعدة إلى ما هو أخطر وأكثر دموية. العالم الإسلامي بسنته وشيعته وبقية طوائفه لا يزال منقسماً، لدرجة أصبحت المذاهب والطوائف عند المتطرف أقوى من المواطنة، وهو نفس الفكر الأممي عند الإرهابيين، وطالما الخطر لا يقتصر على فئة بعينها فإن استخدام سلاح الطائفية في مجتمعات ليس بينها تلك الخلافات الحادة، أعطى للإرهابيين حجة التلاعب بالمشاعر وقيادة جماعات إلى ممارسات دموية غير مسبوقة.