في منطقة يغمرها الاستقطاب وعالم يعج بالتعقيدات، أطلت علينا الدولة الإسلامية في العراق وسورية (داعش) وهي تشكل جملة تهديدات لمجموعة كبيرة من البلدان، بما فيها الولاياتالمتحدة. إن ما تتطلبه عملية مواجهة داعش ورؤيتها الهدامة ومخططاتها لإحداث الإبادة الجماعية هو إقامة تحالف دولي عن طريق استخدام الأدوات السياسية والإنسانية والاقتصادية والقانونية والاستخباراتية من أجل دعم القوة العسكرية. فبالإضافة إلى ما تقوم به داعش من جرائم قطعِ للرؤوس وإعدامات جماعية وغيرها من صنوف الشرور المستطيرة التي ترتكبها والتي أسفرت عن مقتل الآلاف من الأبرياء في سورية والعراق ولبنان، بما في ذلك المسلمون من طائفة السنة التي تمثلها عقيدتها، فإن داعش تشكل أيضاً تهديداً كبيراً خارج المنطقة. تعود أصول داعش إلى ما كان يعرف ذات مرة باسم تنظيم القاعدة في العراق، وهو يحمل تاريخاً في أعمال العنف المتطرفة في العراق على مدى ما يربو على عقد من الزمان. وقد انضوى تحت هذه المجموعة قوة مقاتلة شرسة من الجهاديين الذين يدينون بالولاء لها تراودهم طموحات عالمية، مستغلين في ذلك الصراع الدائر في سورية والتوترات الطائفية في العراق. وقد هدد قادتها مراراً وتكراراً الولاياتالمتحدة، وقام إرهابيون ينتمون إلى داعش بإطلاق الرصاص وقتل ثلاثة مواطنين في المتحف اليهودي في مدينة بروكسل في شهر آيار/ مايو، كما توفيت ضحية رابعة متأثرة بجراحها بعد ثلاثة عشر يوماً من الاعتداء. ويشكل عناصر داعش من المقاتلين الأجانب تهديداً متنامياً ليس فقط في المنطقة، ولكن في أي مكان يتمكنون من السفر إليه دون اكتشافهم، بما في ذلك أمريكا. هناك أدلة على أن هؤلاء المتطرفين، إذا لم يتم تحجيمهم، لن يكفيهم التوقف عند سورية والعراق فقط، إذ يتنامى عددهم ويصبحون أفضل تمويلا في ظل هذا التجسد الجديد، مستخدمين في ذلك النفط الذي يستولون عليه وأعمال الخطف والابتزاز من أجل تمويل عملياتهم في سورية والعراق. وهم مجهزون بأسلحة ثقيلة متطورة استولوا عليها من ساحة المعركة، كما أنهم أظهروا بالفعل قدرتهم على الاستيلاء على مزيد من الاراضي والسيطرة عليها أكثر من قدرة أي منظمة إرهابية أخرى، وذلك في مناطق استراتيجية تقع على الحدود مع الأردن ولبنان وتركيا، كما أنها قريبة وبشكل خطير من إسرائيل. وقد أظهر مقاتلو داعش وحشية وقسوة يندى لها الجبين. ففي خضم ما يقومون به من فظائع من ذبح للمسلمين الشيعة والمسيحيين سعياً منهم لإذكاء أوار الصراع العرقي والطائفي على نطاق أوسع، فإنهم يطبقون استراتيجية مدروسة ومحسوبة لقتل إخوانهم المسلمين من السنة من أجل كسب والاستيلاء على مزيد من الأراضي، ناهيك عن ما أحدثه قطع رأس الصحفي الأمريكي، جيمس فولي، من صدمة لضمير العالم. ومع اتخاذ موقف موحد بقيادة الولاياتالمتحدة وإمكانية إنشاء تحالف أكبر من الدول، فإنه لن يسمح لسرطان داعش بالانتشار والتمدد إلى بلدان أخرى. إن العالم يمكنه مواجهة هذه الآفة واستئصالها في نهاية المطاف. فعلى الرغم من أن داعش تمثل كياناً بغيضاً إلا أنها ليست بالقوة القاهرة. فقد أثبتنا ذلك بالفعل في شمال العراق، حيث أدت الضربات الجوية التي تقوم بها الولاياتالمتحدة إلى تغيير دفة القتال وإعطاء زخم للمعركة، فضلا عن توفير مساحات للقوات العراقية والكردية لشن هجوم على داعش. وفي ظل ما نقدمه من دعم، اتفق القادة العراقيون معاً على تشكيل حكومة جديدة شاملة مما يعد أمراً ضرورياً من أجل عزل داعش وتوفير العون لكافة الأطياف العراقية. إن الضربات الجوية وحدها لن تفضي إلى إلحاق الهزيمة بهذا العدو. لذا فالعالم أجمع مطالب بإظهار استجابة أوسع وأكبر. فنحن في حاجة إلى دعم القوات العراقية والمعارضة السورية المعتدلة، الذين يواجهون تنظيم داعش في خطوط القتال الأمامية. كما أننا بحاجة إلى تعطيل وتحجيم قدرات داعش والتصدي لرسالتها المتطرفة التي تبعثها عبر وسائل الإعلام. وفي حاجة أيضاً إلى تعزيز دفاعاتنا والتعاون من أجل حماية شعوبنا. وسوف التقي انا ووزير الدفاع تشاك هيجل مع نظرائنا من حلفائنا الأوروبيين على هامش اجتماع قمة حلف شمال الاطلسي (الناتو) المقرر عقده في مدينة ويلز الأسبوع المقبل، وذلك بهدف تحشيد أوسع من المساعدات الممكنة. وفي أعقاب هذا الاجتماع، نخطط أنا والسيد هيجل للتوجه إلى منطقة الشرق الأوسط لتحقيق مزيد من الدعم لهذا الائتلاف بين الدول التي يطالها هذا التهديد بصورة مباشرة. سوف تتولى الولاياتالمتحدة رئاسة مجلس الأمن في الأممالمتحدة في شهر أيلول/سبتمبر، وسوف ننتهز هذه الفرصة كي نواصل بناء تحالف أوسع وتسليط الضوء على الخطر الذي يشكله المقاتلون الإرهابيون الأجانب، بمن فيهم أولئك الذين ينضمون وينضوون تحت لواء تنظيم داعش. وسوف يتولى الرئيس أوباما خلال دورة الجمعية العامة رئاسة اجتماع مجلس الأمن لوضع خطة للتعامل مع هذا التهديد الجماعي. هناك دور لكل بلد يتعين القيام به في هذه المعركة. وسوف يقوم البعض بتقديم المساعدات العسكرية المباشرة وغير المباشرة. كما سيقوم البعض بتقديم المساعدات الإنسانية العاجلة للملايين من الذين تم تهجيرهم والذين أضحوا ضحية لعنف داعش في جميع أنحاء المنطقة. وسوف يقوم البعض الآخر بتقديم العون ليس فقط في إصلاح الاقتصادات المحطمة ولكن في إعادة الثقة التي فقدت بين الجيران في المنطقة. إن هذا الجهد قائم فعلياً في العراق، حيث انضم لنا بلدان أخرى في تقديم المساعدات الإنسانية والمساعدات العسكرية ودعم تشكيل حكومة شاملة. لقد أثمرت جهودنا بالفعل في جلب عشرات الدول وانخراطها في هذه القضية. وهناك بالقطع مصالح مختلفة تُعرض على الساحة، بيد أنه لا يوجد بلد يتسم بالاعتدال يبارك ويدعم تلك الفظائع التي يرتكبها تنظيم داعش، كما أنه لا يتأتى لأي بلد متحضر التملص من مسؤوليته تجاه تقديم يد العون للمساعدة في القضاء على هذا المرض. لقد أدت أفعال تنظيم داعش البغيضة إلى توحد وحشد الجيران الذين تتضارب مصالحهم التقليدية من أجل دعم الحكومة العراقية الجديدة. وبمرور الوقت، يمكن لهذا التحالف أن يعالج العوامل الكامنة التي تغذى عليها تنظيم داعش والمنظمات الإرهابية الأخرى المتماثلة معاً في الأهداف والأيدلوجيات. إن إقامة تحالف لهو عمل شاق، غير أن هذا هو أفضل السبل للتعامل مع عدو مشترك. فعندما أقدم صدام حسين على غزو الكويت عام 1990، لم يقم الرئيس جورج بوش الأب ووزير خارجيته جيمس بيكر آنذاك بالعمل بمفردهما أو اتخاذ إجراء على عجل، بل قاما وبشكل منهجي بتشكيل ائتلاف من الدول التي أدت جهودها المتضافرة إلى تحقيق نصر سريع. لن يتأتى إلحاق الهزيمة بالمتطرفين إلا إذا قامت الدول المسؤولة وشعوبها بالالتحام معاً والوقوف صفاً واحداً في مواجهة هؤلاء المتطرفين. * وزير خارجية الولايات المتحدة