كانت الغزاويات شهيرات بشغل الأبرة ربما مازلن، يرسمن بها بكل دقة وثقة وصبر متناه، وروداً وطيوراً، يرسمن أغصانا ويكررن، الثوب الفلسطيني ثوب جميل مزخرف بدأب لا ينقطع وصمود. المرأة الفلسطينية ولادة، تحمل وتلد وتربي وتعمل بالحقل والبيت، والغزّاوية تطرز الزهور والرياحين في الثوب، تحمي ما تبقى من زيتونيات، يد تعمل ويد تحمل الصغير والبطن ملآن، عليها أن تعوض الفقد. لها جلد لم يمر على أغلب النساء ولا عرفن كيف تدور الأشياء وتخلق من جديد، لذا هي تشارك في الخلق ومنها خلق المعجزات عندما صمدت وحثت وزغردت للشهيد من أبنائها بينما بطنها كانت تحمل العوض وشهيد يذهب وشهداء يولدون. لذا هي من نسج هذا الفرح بعد جهاد وحروب ستعود لتعمر بيتها وتدق القهوة وتجهز التنور. انتصرت غزة كما نراه كمحبين ومستندين لشعب محصور في بقعة صغيرة عدو يرسل طائرات بنزهة مذابح كل حين، في سجن يعز فيه الطبيب والدواء وتغلق المدارس أكثر مما تفتح، عرفت المعلمة الغزاوية كيف تكافح لتصل لتلاميذها وتعلمهم. رغم المطر الناري والدمار في كل شيء، لا شك ستظهر لنا بطولات إنسانية صغير في حجمها كبيرة في فعلها. إذا فرحنا بانتصار غزة فهو انتصار للأم التي صمدت وكافحت وحثت وتحملت، هو انتصار يجعل أيدينا على قلوبنا فمن قتل الأنبياء لا يؤمن جانبه ولو وقع ألف اتفاقية. لا تكتمل الحرية والنصر إلا بالحرية وأهمها حرية النوافذ على العالم، إذا وجدت غزة منفذاً فقد تنفست قليلاً وإذا فتحت الحدود مع مصر نالت حريتها. هكذا انتصرت غزة وعندما يفتتح مطارها ويعمل ميناؤها تكون نالت حرية أوسع وعندما يكون سلاحها بيدها تحت الطلب ذاك أمان لها. فالجزائر فاوضت المحتل والمقاومة مستعرة في كل الجبهات بما في ذلك نقلها لداخل باريس ذاتها. هي غزة والمرأة الغزّاوية تطرز الورد في ثوبها الفلسطيني لتلبسه في عرس النصر، وكما ترسم الوردة وتطرزها باتقان ترسم الأحلام لصغارها حلماً فحلم لا تخيفها همجية العدو، كانت النساء الفلسطينيات في الانتفاضات يشاركن بتجهيز الحجارة تكسيراً للصغار لرميها على الجنود الصهاينة وما أخافها تكسير الأطراف من قبل جنود وقادة الجيش الصهيوني، إنها جاهزة لتعويض النقص. تلد لتعوض، وأم محمد الدرة الذي قتل في حضن والده ولدت محمداً آخر. هي الأم سيدة المواقف في كل زمان ومكان، هي أسماء بنت أبي بكر وهي تقف بشموخ تحت جثة حبيبها المعلق عبدالله بن الزبير، لتقول بكل ذكاء كلمتها الرائعة في وجه الحجاج: "أما آن لهذا الفارس أن يترجل" لم تضعف أو تتشفع الظالم وإنما كبرت قدر ابنها حياً ومصلوباً. رضي الله عنها وأرضاها.