هل دخل الجنس البشري مرحلة الملل الكبير الذي يسبق الاحداث الكبرى؟ كيف نفسّر انتشار ورواج العديد من الكلمات ذات الدلالات النفسيّة السلبيّة وسط حوارات الشباب (المستقبل) حين "يفضفضون"؟ تأمل كلمات وأشكال وملابس نجوم أغنيات الشوارع الخلفية وعلى رأسها "الراب" الغربيّة ومقلدوها العرب. راقب محتوى الأفلام الأكثر مشاهدة، والألعاب الأكثر رواجا بين المراهقين اليوم. شاهد ظاهرة برامج اليوتيوب وما بات يعرف "بالستاند اب كوميدي" التي غزت أوقات ووجدان الشباب في كثير من المجتمعات العربيّة. ولو دقّقت في هذ الموجة قليلا لوجدت أنها لا تقدم الكوميديا بمفهومها الفني والمعرفي بقدر ما تعيد قولبة حالة "الملل" والتبرم من كل شيء ومعها لا يكون الضحك للتسلية وصناعة الوعي بقدر اليأس والسخرية من الذات والمجتمع لتكشف جانبا من حالة الاندهاش والانكشاف على عصر كأن الأجيال لم تتهيأ لدخوله بعد. على شبكة "تويتر" وبرامج التعارف تجد أن كلمة "طفش" "ملل "ومرادفاتهما من الكلمات الاكثر رواجا في "تغريدات" وحوارات المراهقين والشباب. وتتعجب كيف لشباب (فتيان وفتيات) امامهم مباهج الحياة ومنجزات الحضارة ومع ذلك تراهم يعانون من متلازمة التبرم والسخط من كل شيء وعلى كل شيء. وفي الغرب الصناعي تبدو الحضارة الماديّة اليوم وكأنها قد اكتملت وتتجه وفق حتميّة تاريخيّة صوب شيخوختها التقنيّة والبشريّة. تأمل على مساحة العالم المرهق بساكنيه كيف ظهرت دول واختفت أخرى، ومن زوايا التاريخ المنسيّة والمقموعة كيف برزت مجتمعات واعراق ومذاهب لتعصف بالمستقر السياسي والاجتماعي مدفوعة بعقد التاريخ وتناقضات الحاضر. وعلى الضفة الاخرى رأينا دولا كبرى وشعوبا قامت على منظومات من القيم الأخلاقيّة والدينيّة المتصالحة بدت وكأنها سئمت السلم والنظام فشجعت الفوضى او أفسحت المجال لكل مشاغب ان يقرن قوله المنكر بفعله الأنكر. وفي شرقنا العربي تداعت مجتمعات وجماعات لساحة الاحتراب وكأنها كانت في انتظار هذه اللحظة التاريخيّة العدميّة. وعلى هوامش الصراع رأينا جموعا من الشباب تتقاطر نحو الموت المجاني بعد أن ارهقتها تناقضات مفسري غايات العقائد والنحل فاستراحت لتصويب الاسلحة وإغماد الخناجر في روح اغلى املاكها ومن ثم تعميم الصراع تحت شعارات الموت والفناء. ها هو المشهد العالمي امامنا اليوم سلطات لا تملك قوة العدل وقوى خرجت من كل حدب ومذهب تهب الموت لكل كائن. هنا رايات وهناك إمارات وجمهوريات لا تعرف كيف تدير حاضرها ولا تعرف خارطة مستقبلها. مجتمعات بلا حكومات ودول بلا مرتكزات، طفرة معلومات وأزمة فكر ورؤية. وفي ظلال تمجيد الحلم وخلف كل شعار ومسعور صيحات جماهير تصرخ متى ولا تسأل كيف ولماذا. لا تسأل كثيرا فأسئلة المساء تطرد بقايا النوم ومع اشراقة الصباح ستستفيق على حشود الأسئلة الجديدة ولا جواب. حتى بعض من كنا نظنهم من ذوي البصر والبصيرة امست عقولهم واصبحت بلا ميزان تراها اشبه بمكائن متوحشة لتوليد الشرر والفتنة وهي تتلاعب بالعواطف والقلوب حتى حولتها الى مضخات كراهيّة وعراك. وبعد أن سقطت النظريات الرصينة التي بنتها تراكمات القيم الإنسانيّة والعلميّة كيف تفهم حاضرا صارت القيم مزادات، والاوطان تهمة، والشعارات الغشاشات طريقك الى الجنة؟! صفحة من مذكرات شاب حائر يسألكم .. هل لديكم جواب؟ *مسارات قال ومضى:أيتها الحقيقة قضيت عمري على بابك أنتظر جوابك.