يمثّل اليوم الأول لدخول الطفل للمدرسة نقطة تحول في حياته، حيث ينتقل من مرحلة اللهو والدلال من الأبوين إلى مرحلة الانضباط وتلقي الدروس، كما ينتقل من بيئة ألفها أعواماً إلى بيئة لم يعتد عليها؛ لذا كان من الطبيعي أن يصاحب اليوم الأول من الدراسة بكاء وعويل، بل نحيب من أطفال في عمر الزهور؛ تعبيراً عن احتجاج بريء لخطفهم من حضن الوالدين إلى مقاعد الدراسة. وكم يكون البعض من الأطفال سعيداً إذا كان بصحبة أحد إخوته الكبار الذي سبقه بالدراسة، فيخفف عنه تلك الرهبة بمصاحبته له بالدخول وحمايته من نظرات الفضول من بقية الطلاب الكبار، وربما التعدي منهم عليه، أمّا من كان وحيداً أحضره والده وذهب على الفور فإن الخوف يرتابه. قصص طريفة في المدرسة انتهت إلى «فيلم رعب» من الضرب ونظرات «نزّل راسك».. و«لا تعودها» وما هي إلاّ لحظات إلاّ ويسمع الجميع "الصفارة" التي تعلن بدء الاصطفاف الصباحي -الطابور-، حيث يصف أحد المعلمين تطوعاً طلاب الصف الأول المستجدين، ومن ثم يأمرهم بمشاهدة بقية الطلاب ممن سبقوهم ومحاولة تقليدهم في حركات "التحمية"، وبعد انتهاء الطابور يصحب المعلم طلابه إلى الصف ويجلسهم في مقاعدهم، ويبدأ في تهدئة صراخهم بنبرة نهر قوية، حيث كانت تسود حالة الصرامة والجدية في ذلك الجيل من المعلمين، ويمضي جل وقت الحصة وهو في محاولات في جذب انتباههم وانتشالهم من حالة الفزع والخوف، وذلك بطلب عد الطباشير الملونة التي يحملها بين يديه، ويمر عليهم واحداً واحداً ويشجع من يعرف الإجابة، لكن لم يكن هناك هدايا تقدم لهم، بل كانت علامة الرضا من المعلم هي أفضل هدية للطالب، حيث يشعر بفرحة غامرة تعتريه بفراره من العقاب. أدوات مدرسية عند الحديث عن بدء دخول الطالب للمدرسة وخوضه هذه التجربة الجديدة في حياته، لابد أن نشير إلى أنه يلزمه أدوات مدرسية وشنطة، حيث يبادر ولي أمره بشرائها، ولم يكن هناك مكتبات خاصة لبيعها، بل كانت تباع في جل دكاكين القرى ومحلات المدن، أي أن كل الطلاب يستخدمون نفس الأدوات المدرسية لا فرق بينهم ولا تميز، إلاّ أن الطالب المستجد لم يكن يفرح بها لنفوره من المدرسة عند الحديث عنها لأول وهلة، فتجد ولي الأمر يبادر إلى شرائها وهي عموماً فيما مضى متنوعة وذات أشكال مختلفة كما هي عليه الحال اليوم، بل كانت محدودة وتكاد تنحصر في الأساسيات، وهي قلم "رصاص" ويسمى "قلم مرسم"، وقلم جاف أزرق، وكذلك دفاتر متنوعة العدد ك"دفتر أبو عشرين ورقة"، وهو لطلاب الصف الأول غالباً، و"دفتر أبو أربعين" و"أبو ستين"، والبعض يسميها "كراسات"، وهي أنواع ك"دفتر أبو وجه ووجه" للرسم، ودفتر للانجليزي وآخر مربعات للحساب والهندسة، أمّا بقية الأدوات فهي "ممحاة" و"مبراة" لأقلام الرصاص ويسمونها "براية"، وغالباً ما تكون فيها "مراية"، وهي مستديرة الشكل، إضافةً إلى المسطرة الخشبية والألوان الزيتية والخشبية والهندسة، وتجمع تلك الأدوات في حقيبة ذات نوعين الأولى من الجلد أو البلاستيك وهي لعامة الناس والأخرى تسمى "شنطة بكم" وهي لأبناء الميسورين. واجب منزلي وعندما ينتهي اليوم الدراسي يعود الطالب المستجد إلى منزله وهو يحمل دروسه ويحمل معها هماً كبيراً وهو الواجب المنزلي الذي كان عبئاً ثقيلاً، وذلك لكثرة هذا الواجب التي قد يستغرق اليوم بأكمله، مما يعني تفويت وقت اللهو والراحة، إضافةً إلى صعوبة الواجبات خاصةً إذا كان في العلوم والحساب، أو كتابة قطعة طويلة من الدرس، فبعد أن يتغدى ويلهو مع إخوته أو أقرانه سرعان ما يمر الوقت سريعاً ليحل الظلام ليبدأ معها كابوس الواجب المنزلي، الذي لم يحله، فيبدأ بالبكاء والاستنجاد بوالدته طلباً للمساعدة، فتطلب من كثرة بكائه وإلحاحه تنفيذ ذلك من أحد أخوته أو أخواته، فيتابع أحدهم مكرهاً حل الواجب معه، وإن تأخر الوقت، بعد ذلك ينام الطفل قرير العين وهو لا يدري ما سيصادفه من الغد من العقاب، فغالباً ما يكتشف المعلم أن الطالب لم يحل الواجب بنفسه فيسأله عن الإجابات التي سجلها بالكراسة، فلا يستطيع، فيقع عليه العذاب البدني من المعلم. الطلاب القدماء يؤدون الإحماء لكي يُقلدهم الصغار في اليوم التالي وفي موقف طريف لأحد الطلبة فإنه لما أحضر الواجب وكان قد نقل قطعة من الكتاب في كراسة الواجب، اكتشف المعلم أن الخط مختلف، فسأله بحزم: "من حل الواجب؟"، فقال كاذباً والخوف من عقاب المعلم يعتريه: "أنا"، وكان الذي حل الواجب في الحقيقة هو أخوه بأمر من والدته التي ضاقت ذرعاً من بكائه، فأمرت أخاه بأن يتولى كتابته عنه، وعلى الفور طلب المعلم من أحد الطلاب أن يستدعي أخاه الذي بالصف الخامس، فلما حضر بين يديه سأله: "هل أديت الواجب عن أخيك؟"، فقال معترفاً في خوف شديد: "نعم، فقد أمرتني والدتي بذلك"، فقال المعلم: "اذهب إلى فصلك"، ولم يكد يخرج ويغلق باب الفصل إلاّ ويصفع هذا الطالب وينزل عليه جام غضبه بالضرب المبرح بالعصا التي كانت متوفرة بكثرة، والتي يستمدونها من الطبيعة، وذلك بقصها من أشجار الأثل التي في فناء المدرسة، أو من عسيب النخل، فكان هذا درساً للطالب الذي صار يؤدي واجبه بنفسه مستقبلاً. استقبال حار كثيرة هي الأحداث التي تبقى في الذاكرة، خاصةً المواقف التي تكون في زمن الطفولة فهي لا تكاد تنسى، وذكريات اليوم الأول من الدراسة هي من تلك المواقف البعض منها قاس والبعض الآخر فكاهي ومفرح، تختلف تلك المواقف كاختلاف البيئات والمجتمعات، لذا تجد تعدداً للمواقف، ومنها ذلك الموقف الذي حصل لأحد الطلاب المستجدين الذي جاء إلى المدرسة بحماس ورغبة لكثرة تشويق أخوته الذين سبقوه للدراسة، فبعد أن استيقظ باكراً ولبس ثيابه وحمل حقيبته التي تم شراؤها له قبل الدراسة بأيام، ذهب مع أخوته للمدرسة فقام أحدهم بتعريفه بمرافق المدرسة ودله على فصله، وتركه يلعب مع أقرانه قبل الاصطفاف للطابور الصباحي، فأخذ يلهو في فناء المدرسة، وبعد برهة أنزوى إلى مكان خال وجلس يلعب بالتراب أمام مدخل المدرسة بكل براءة، وما هي إلاّ لحظات حتى سمع صوت عال و"زمجرة" قطعت عليه لذة لهوه، فلما رفع رأسه ليستطلع الخبر فلم يكد رفعه إلاّ ويد تقبل عليه من الأعلى لتستقر على خده الصغير في صفعة ظل صداها يرن في أذنيه من أحد المعلمين، وهو ينهره ويشد عليه بالقول ويأمره أن يبتعد عن مدخل المدرسة الخاص بالمعلمين، فوقف مفزوعاً هارباً إلى فناء المدرسة والعبرة تخنقه لتصرف المعلم، فهو لم يعمل شيئاً يستحق العقاب، ولكن شدة المعلمين كانت طاغية في تلك الفترة. الخروج من المدرسة يمثل فرحة كبيرة بعد عناء الحصص الدراسية الأخ الأكبر يساعد شقيقه المستجد في معرفة أنظمة المدرسة فرّاش المدرسة ومن المشاكل التي تواجهها المدارس سابقاً هروب طلاب الصف الأول المستجدين، وذلك من شدة خوفهم ورهبتهم من المدرسة، فلا يجدون حلاً سوى الخروج من المدرسة في غفلة من الجميع، فإذا ما رأى أحد الطلاب الباب خالياً من الحراسة فإنه يطلق رجليه للريح في مغامرة منه للعودة إلى المنزل الذي يكون عادة قريباً من المدرسة، خاصةً في القرى، فإن لمحه "فرّاش" المدرسة أو أحد العاملين فإنه يسرع خلفه ويحضره ويسلمه لمعلم الصف، ليشدد عليه الحراسة، بينما يشتد نحيب هذا الطفل ويشد انتباه جميع من في المدرسة بصراخه. وفي موقف طريف لأحد الطلاب في الصف الأول فإنه غلب والدته واستطاع أن يتغيب، وبعد أن ذهب إخوته الكبار إلى المدرسة بقي يلعب بجانب المنزل، وبعد ساعة مرّ فرّاش المدرسة ولمحه فتوقف بسيارته وأمره أن يحضر حقيبته وأن يركب في السيارة ليذهب به إلى هناك، فلا عذر لديه، وقد كان لفرّاش المدرسة هيبة لا تقل عن هيبة المعلم أو المدير، فذهب الطفل إلى أمه وأخبرها وخرج بحقيبته وركب في صندوق السيارة، بينما تحرك الفرّاش ومرّ في طريقه بسوق الأغنام، فنزل من السيارة وجلس مع الباعة ساعة من الزمن، ثم تحرك وذهب إلى أحد الدكاكين، ونزل وجلس مع صاحبه وأخذه الحديث لأكثر من ساعة، ثم أخذ ما يريد من حاجيات وركب في السيارة وتحرك إلى منزله، كل هذا والطفل في صندوقها والفرّاش قد نسي ذلك، وبعد أن توقف عند منزله وهم بالدخول لمح الطالب في صندوق سيارته، فاندهش لوجوده وتذكر بأنه قد أركبه ليذهب به إلى المدرسة منذ أكثر من ساعتين، وقد جلس في حرارة الشمس في يوم قائظ، فقال للطالب: "أنزل واذهب إلى بيتك وإياك والغياب"، فنزل الطالب متوجهاً إلى المنزل فوجد إخوته قد وصلوا من المدرسة فخنقته العبرة فلا هو بالذي غاب فاستمتع بغيابه، ولا هو بالذي ذهب إلى المدرسة مع إخوته فاستفاد من ذهابه، فأخبر إخوته بهذا الموقف فضحكوا عليه وقالوا: "هذا جزاء من يمتنع عن الذهاب إلى المدرسة بدون عذر". غلطة مستجد ومن المواقف الطريفة أن أحد الطلبة المستجدين دخل فصل الصف الثالث الابتدائي ليجلس مع أخيه في الفسحة، ويسمونها الفسحة الطويلة والتي تكون في منتصف اليوم الدراسي ومخصصة لتناول وجبة الفطور، التي كانت فيما مضى مما يحضره الطلاب من المنزل مما تيسر من "تمر" أو "قرصان" طرية، وغيرها من الأكلات المتوفرة في ذلك الوقت، فلم تعرف المدارس في ذلك الوقت "المقاصف"، وبعد أن دوت "صافرة" المراقب معلنةً نهاية الفسحة، دخل المعلم الصف فانتظم الجميع في مقاعدهم والرهبة على قسمات وجوههم من المعلم، فلم يستطع الطالب المستجد الخروج من الفصل، فبدأت الحصة وطرح سؤالاً على الطلاب ووقع نظره على هذا الطالب المستجد الذي أخرجه بجانب السبورة، وطلب منه الإجابة على هذا السؤال الذي سبق وأن درسه في الصف الأول، ولكونه طالباً مستجداً لم يعرف الجواب والذي كان بديهياً لمن سبق بالدراسة في الصف الأول، فما كان من المعلم إلاّ أن استشاط غضباً وضربه بالعصى ضرباً مبرحاً -الضرب كان مسموحاً به- ولم ينقذه من هذا الموقف إلاّ جرأة أحد الطلاب الذي قال للمعلم: "هذا الطالب مستجد، ودخل الفصل للحديث مع أخوه"، فطلب المعلم منه أن يذهب إلى فصله فذهب وهو يبكي من شدة ألم الضرب، بينما ظل هذا الموقف المرعب ملازماً له طوال حياته. أمومة وحنان عندما يبلغ الطفل السن القانونية لدخول المدرسة فإن الوالدين تغمرهما الفرحة لبلوغه هذه السن ووصوله إلى عمر الدراسة، فيعمل والد الطفل على إيصاله إلى المدرسة، بينما تكيل الأم الدعوات لفلذة كبدها وهو يغادر المنزل بأن يجعل هذا اليوم بداية خير لصغيرها، وأن يتبعه أيام سعد بعمر مديد في سعادة غامرة على الدوام، أمّا إذا كان الابن يتيماً أو والده مسافراً وكان هو الأكبر فإن الأم تتولى مهمة إيصاله إلى المدرسة، وتظل ترقبه بعينيها حتى تتأكد بأنه قد دخل إلى المدرسة. الأسبوع التمهيدي يعمل على تهيئة الصغار نفسياً ومن المواقف التي تعكس الحنان الذي تكنه الأم لولدها، هو ذلك الموقف الذي صورته قصيدة معلم كشاهد على هذا الحنان الفياض، حيث كان يقف بالقرب من باب المدرسة الذي يتوسطه "فرّاش" المدرسة وهو ينظم دخول الطلاب في أول يوم دراسي، حيث لاح له من بعيد أم حنون استيقظت باكرة كي تمسك بيد طفلها الذي بلغ سن التعليم النظامي لتذهب به إلى المدرسة، وما أقسى اليوم الأول الذي يذهب فيه الطفل إلى المدرسة، فقد تعود على حياة المرح الممزوجة ببراءة الطفولة، وصدر أمه الحنون الذي لم يفارقه يوماً، فقد أسرعت الأم بتهيئة وليدها وألبسته ثيابه واعتنت بمظهره واعدت له في حقيبته كل ما يحتاجه، وفي الطريق لم يكن الطفل متشجعاً للذهاب، فقادته أمه وهو متردد كثير الوقفات والتوسلات بتركه اليوم يعود إلى المنزل، لكن الأم تقوده بإصرار وهي تخشى أن يفوته الوقت ويبدأ اليوم الدراسي، وكانت المدارس آنذاك صارمة في بدء الدراسة ولا تسمح بالتأخير، وأثناء الطريق شاهد المعلم هذا المشهد عرضاً وهو يقف قريباً من المدرسة، ورأى معاناة الأم وجهادها طول الطريق في إيصال ابنها، وهو يمتنع من ذلك رهبةً من اليوم الأول والبيئة الجديدة التي سيدخلها أول مرة في حياته، فجادت قريحته بأبيات تصور هذا المشهد ومعاناة هذه الأم الحنون، فقال هذا المعلم وهو الشاعر "عبدالله بن عبدالعزيز الضويحي" تلك القصيدة: قادها مع طلوع الشمس طفل قهدها خشف ريم نعيم نومستني طبوعه شفتها يا صباح الخير تقهد ولدها فيه طبع غريب ومعه نفس هلوعه غثها بالبكاء من شافها ما حسدها نوب تربط حذاه ونوب تمسح دموعه أمسكته بيمينه والحقيبة بيدها تقصد المدرسة والطفل باول اسبوعه لا مشى له ثلاث خطى بدربه لهدها قام ياقف ويقعد ورقبته مهزوعه كل ما جت تقوده التوى في جسدها دزّها خلف يم البيت يبغى رجوعه طمّنت وهمست في اذنه صدّق وعدها وحط كفه بيدها بالأمر والمطوعه دقت السابعه والنصف شدّت جهدها واسرعت كود تاصل ينتظم مع ربوعه عقب ما وصلت البواب قام وطردها قال حسب الأوامر من تأخر نصوعه حاولت فيه مير العود قطّع عقدها سكّر الباب واقفى لاعها الله يلوعه ورجعت تحمل هموم القضا من نكدها مشيها كنه المطعون بأقصى ضلوعه استقبال دلال وتغيّر مفهوم اليوم الأول للمدرسة في وقتنا الحاضر، وأصبح فيه برنامج مدروس لكل الطلاب المستجدين، يتخلله المتعة والترفيه إلى حد الدلال، وصارت رهبة الطلاب من اليوم الأول للدراسة شبه منعدمة، وذلك بفضل البرامج التي أعدتها وزارة التربية والتعليم حيث خصص الأسبوع الأول للطلاب المستجدين للاستقبال والتهيئة النفسية، وسمي بالأسبوع التمهيدي، حيث يطبع معلم الصف الأول بطاقة تعريفية لكل طالب تحمل صورته واسمه، وبات اليوم الأول بدون دراسة بل حفل استقبال توزع فيه الهدايا والوجبات المجانية، ويكون الخروج مبكراً واليوم الثاني كذلك، وفي ختام الأسبوع يكون الطالب قد تعود على دخول الفصل، فتوزع الكتب ويتم تدريس حصة واحدة أو اثنتين، كذلك ذهبت رهبة العقاب وغابت العصا عن الأنظار بتعميم أساليب التربية الحديثة بطرق الترغيب أولاً ثم المعالجة والترهيب. الأنشطة المسلية تكشف الموهبة وتزيد حماس المستجد نحو التعليم ذهاب الآباء مع الأبناء في اليوم الأول يزرع الاطمئنان بداخلهم منهج القراءة والكتابة للصف الأول الابتدائي قديماً طلاب الصف الأول الابتدائي يلعبون كرة القدم في الأسبوع التمهيدي