من منا لم يعانِ من ويلات الإرهاب، ومن منا لم يستشعر الخطر الكامن وراء هذا الداء الذي بُلي به المجتمع الدولي على مستوى الشعوب والحكومات؟ الإرهاب تنوع في أساليبه وآلياته وأفكاره، وكل يوم نرى أثرا جديدا ونرى ألما متجددا لما يخلفه من ويلات. لا ننكر أن الحديث عن هذا الإرهاب ليس بجديد وأن هناك من رفع الراية وحذر بعد أن اكتوى بناره وتخوف من سطوته. المملكة ليست بدا من المنظومة الدولية، وهي وإن كانت لديها مقومات الثبات والأمن والاستقرار إلا أن يد الإرهاب طالتها في أكثر من موقع وبأكثر من اسلوب. هنا، وعندما أدرك الملك عبدالله أهمية التحرك الجماعي للتصدي لهذا الإرهاب كان يرى أن جهود المملكة في المواجهة وحدها لا تكفي، فخلايا هذا الإرهاب والداعمون له يتمركزون في أماكن متعددة، وهو ينتقل من بلد إلى آخر دون استئذان. التحرك الجماعي كان هو الحل، والتحرك الجماعي كان هو السلاح الكفيل بالتصدي والمجابهة، وهو يعني الإدراك الكامل لحجم الخطر وآثاره. كان لا بد من منهجية وتخطيط لكيفية مجابهة الإرهاب الدولي والحد من أخطاره، ومن هنا كانت مبادرة الملك عبدالله بإنشاء المركز الدولي لمكافحة الإرهاب والتبرع له بعشرة ملايين دولار. هذه المبادرة كانت في محفل دولي، وكان يُرجى منها أن تدخل حيز التنفيذ وأن تتوالى التبرعات وتتكاتف الجهود. كيف لا والخطر يهدد الجميع، وكيف لا والكل مطالب بأن يأخذ دوره ويكمل ما بدأه الآخرون، ولكن مع الأسف لم يتحقق شيء من ذلك. توالت السنين واستمرت المملكة في مسيرتها الداعمة لمكافحة الإرهاب وحققت نجاحات على المستويين المحلي والعالمي، ولكن نجاحات المملكة كان لا بد لها من نجاحات دولية متوازنة حتى تتسع دائرة النجاح ويتم تضييق الخناق على الإرهاب وتجفيف منابعه. إذا كان السبب في تقاعس الآخرين عن السير في ركب جماعة مكافحة الإرهاب هو التشكيك في حجم خطره فإن الواقع يُثبت أنه ينذر بوعيد شديد، وإن كان السبب هو التخوف من تقديم أي دعم مادي فها هو خادم الحرمين الشريفين يوجه رسالة قوية لهؤلاء ويحرجهم في عقر دارهم عندما أعلن حفظه الله عن دعم جهود الأممالمتحدة لمكافحة الإرهاب بمبلغ مئة مليون دولار. بعد كل هذا حُق لنا أن نقول (قطعت جهيزة قول كل خطيب) فالضرر من الإرهاب واقع نعيشه، والدعم المادي للجهود الدولية لمكافحته تكفل به خادم الحرمين الشريفين وأصبح الطريق اليوم سانحا لتنسيق وتعاون دولي لردع الإرهاب ومن ثم القضاء عليه إن شاء الله. في كل يوم قتلى، وفي كل يوم جرحى، وبين فترة وأخرى نسمع عن دعوات وتوجهات عقدية ومذهبية وسياسية تصب في مسار تأجيج الإرهاب وتوسيع دائرته. هذا المسار لن يتوقف ولن يتم القضاء عليه طالما لم يستشعر الجميع أن هناك ما يستوجب التعاون والتنسيق الكامل بين كافة الدول. والمؤكد أن المملكة كانت ولا تزال سباقة في هذا التوجه انطلاقا من مسؤوليتها الوطنية والدولية.