أبرز من يمثل اليوم الإرهاب المتسربل بالدين تلك الجماعات التي نسلت من القاعدة، ك (داعش)، و(النصرة) وغيرهما من جماعات بلغ بها التطرف والجنون أن تمالأت على قتل المسلمين وغير المسلمين، ومن قتلوا من المسلمين وهجروهم يفوق من قتلوا من غير المسلمين جاءت كلمة خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز التي ألقاها أمس الجمعة، الخامس من شهر شوال لعام 1435ه، على هيئة عرض جديد منه -حفظه الله- لخارطة طريق لما لم يزل ينادي بها منذ ما ينيف على عشر سنوات ضد الإرهاب بكافة تمظهراته وتشكلاته، وخاصة الإرهاب المستبطن بالدين، إذ هو أشد وأنكى الأدواء الإرهابية. ذلك أن هذا النوع من الإرهاب الذي تقوم به اليوم جماعات باضت وفرخت في المجتمعات من حولنا، لا يزال ملتبسا في أذهان كثير من السذج وطريي العود، وقليلي الخبرة، ممن يحسبون السراب ماء، حتى إذا وردوه لم يجدوا إلا ماء حميما يقطع أمعاءهم! أبرز من يمثل اليوم الإرهاب المتسربل بالدين تلك الجماعات التي نسلت من القاعدة، ك(داعش)، و(النصرة) وغيرهما من جماعات بلغ بها التطرف والجنون أن تمالأت على قتل المسلمين وغير المسلمين، ومن قتلوا من المسلمين وهجروهم يفوق من قتلوا من غير المسلمين. ولقد ابتكرت هذه الجماعات الإرهابية، وخاصة من تسمى ب(الدولة الإسلامية في العراق والشام)، والتي يُختصر اسمها إلى(داعش)، من آليات والقتل والتدمير والعبث بالمقدرات الإنسانية ما فاقت به في همجيتها كل أسلافها، سواء من داخل التاريخ الإسلامي أم من خارجه. ولقد يتذكر المرء، في سياق الحديث عن مثل هذه الأعمال الإجرامية، كيف مر على هذه العصابات الإجرامية والمتعاطفين معها، حين من الدهر كانوا يتشدقون فيه بالإسلام، وبالنفرة لحمايته من أعدائه، فلما جاسوا خلال الديار أعملوا السيف في رقاب إخوانهم في الدين والإنسانية، وعاثوا في الدول والمجتمعات من حولنا قتلا وتدميرا وإهلاكا للحرث والنسل. وما نقمت هذه الجماعات والمروجون لفكرها، والمتعاطفون معها، وقاعدتها في الداخل والخارج على هذه البلاد المباركة إلا أنها آمنت بالله العزيز الحميد، وطبقت شرعه، واحتكمت إلى عدله، فغدت آمنة مطمئنة يأتيها رزقها رغداً من كل مكان. جاء في السنن الكبرى للبيهقي أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان إذا بعث جيشاً من المسلمين إلى المشركين قال لهم: "انطلقوا باسم الله، لا تقتلوا وليداً، ولا امرأة، ولا شيخاً كبيراً، ولا تُغَوِّرُن عيناً، ولا تعقرُنّ شجرة، ولا تمثلوا بآدمي، ولا ببهيمة، ولا تغدروا. ولا تغلوا". وعندما تمر على مسامعنا هذه النماذج المضيئة من هدي نبينا صلى الله عليه وسلم مع المشركين الذين كانوا يعبدون مع الله إلهاً آخر، ويحاربون الله ورسوله والمؤمنين، يأخذنا العجب كل مأخذ، عندما نرى أناساً من بني جلدتنا، يتكلمون بألسنتنا، ويدَّعون، زوراً وبهتاناً أنهم على ديننا، ممن مردوا على الإرهاب الملتبس بالدين، لا يستنكفون من الغدر بأناس وأطفال وشيوخ ونساء وعجزة، ليس لهم في الحرب ولا في السياسة وردا ولا صدرا، وليسوا فيها في قبيل ولا دبير. ففي الوقت الذي تنهى فيه القيم النبوية الكريمة عن التمثيل بالبهيمة، نجد أن أولئك الأنجاس لا يستنكفون أن يخفروا ذمة الله وذمة رسوله، لا في آدميين فحسب، بل في منتسبين إلى دين، يدعون أنهم إنما قاموا لنشره وبسطه في آفاق الأرض، فيمثلون بجثثهم، ويلعبون برؤوسهم المقطوعة الكرة، بل يجمعون رؤوسهم في قدور ويطبخونها، وتراهم وقد تزيوا بزي الدين، فأطلقوا لحاهم وقصروا ثيابهم، ورفعوا سباباتهم بالتشهد أمام جثث ضحاياهم ورؤوسهم الموضوعة في القدور، فسحقاً ثم سحقاً لدين أو خلق أو مبادئ يتكئ عليها، أو يدعو إليها، أولئك الخراصون المكذبون. ولقد يصدق على أولئك الأوغاد من أغيلمة داعش ومن لف لفهم، ما يصدق على أولئك النفر من الخوارج الذي وصفهم النبي صلى الله عليه وآله وسلم بأنهم "قوم يقرأون القرآن لا يجاوز حناجرهم، يقتلون أهل الإسلام، يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية"، وبأن بعضهم "يحقر أحدكم صلاته مع صلاتهم، وصيامه مع صيامهم، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية". وأيم الله لقد صدق صلى الله عليه وسلم، فها هم ربائب الخوارج الأول، لم يُيمموا سلاحهم شطر من يتبجحون بعداوتهم كإسرائيل، ولم يتأذ بعداوتهم إلا من يتصدون لمشروعاتهم التخريبية. يكاد المسلم الحريص على دينه يتميز من الغيظ عندما يرى عصابات(داعش) وهي تهجّر المسيحيين من الموصل، وتهدم كنائسهم وتستولي على أملاكهم وبيوتهم باسم الإسلام. يعايش المسلم الحريص على دينه هذه الجرائم الداعشية بحق المسيحيين وهو يتذكر ما تعامل به الخليفة الراشد عمر بن الخطاب مع النصارى من تعامل حضاري قل مثيله، إذا لم يكتف الفاروق بترك كنيستهم فحسب، بل تناول طعامه فيها وصلى. فلقد روى ابن الجوزي في كتاب(المنتظم في تاريخ الأمم والملوك) عن نافع مولى ابن عمر، عن أسلم مولى عمر قال:" صنع أرخن الجابية(وكان نصرانياً) طعاماً في الكنيسة، فطعم عمر، ثم حضرت الصلاة فصلى عمر بأصحابه في الكنيسة"، فأين أنتم يا أعداء الدين والحضارة والإنسانية من هذا الخلق الراشدي الكريم؟. ثم إن أولئك الأنجاس، لم يألوا جهدا، إلى جانب فضائعهم تلك، من التحرف نحو الأماكن والبنايات الأثرية لهدمها وتدميرها بدعوى أنها أصنام، أو أنها ربما تعبد مستقبلا من دون الله، وويم الله لقد كذبوا على الإسلام، فما هكذا خلقه، ولا خلق ممثليه الأوفياء، من الصحابة وسلف الأمة، ممن مروا على هذه الآثار في العراق وخراسان وبلاد ما وراء النهر وفي مصر والشام، فلم يمسوها بسوء. ومما يصيب الرائد الذي لا يكذب أهله بالغم والحزن أن يلحظ كيف يقف اليوم كثير ممن كنا نعدهم من الأخيار موقفا ناعما حذرا، إن لم يكن تعذيريا من تلك الجماعات الهمجية، سلف الحشاشين وقائدهم(الحسن بن الصباح). إنهم إذ يقفون تلك المواقف الناعمة مع داعش وأخواتها، فإنهم يسيئون إلى الإسلام، ويساهمون في تقديمه إلى غير أهله بأسوأ صورة، فهلا ارعووا، واستيقظوا من رقدتهم الطويلة، وقاموا بواجبهم تجاه تبييض صفحة الإسلام التي لطخها الداعشيون؟