الجمع بين المتناقضات في السلوك الإنساني أمر يمارسه لدينا بعض أفراد المجتمع. وحتى لا يكون كلامي ألغازاً أو حديثاً غير مفهوم. سأضرب لكم مثالاً. هناك شريحة من المجتمع تنادي الناس دوماً بضرورة ممارسة الزهد والتقشف في الحياة. وتحذرهم من الاستغراق في الحياة وقضاء العمر في جمع الفلوس. وجمع الفلوس مربط الفرس هنا. فالفلوس في قاموسهم (وسخ دنيا). ومع ذلك هم أكثر من يمارس التمتع بالحياة. وهم أكثر الناس ركضاً خلف جمع الفلوس. ولايكتفون بوظيفة واحدة أو بدخل مالي واحد. بل يجمعون بين أكثر من وظيفة وأكثر من دخل مالي في نفس الوقت. فتجدهم منهم - مثلا - أشبه ما يكونون مسيطرين على الجهات الخيرية أو المراكز الاجتماعية والأخرى ذات المناشط الصيفية ووظائف أخرى عدة. بخلاف الوظائف المخصصة لهم والمعروفة طبعاً لدى الكل. فمن النادر أن تجد واحداً من هذه الشريحة لديه وظيفة واحدة أو دخل مالي واحد. فهو وعلى سبيل المثال - أيضا - تجد من هذه الشريحة من يكون معلمًا ،إمام مسجد، مأذون أنكحة، يشتغل في نادي الحي، معلم في حلقة قرآن، ناشط اجتماعي، مرشد في الحج.. الخ. وفي المقابل تجد من المثقفين أو حتى شخصاً عادياً لكنه لا ينتمي إليهم من الناحية الشكليّة مثلاً لديه أكثر من وظيفة. ليس لأن الكاتب أو المثقف أو الرجل العادي لايحب الفلوس. لا. ولكن بسبب هيمنة تلك الفئة على هذه الوظائف الاجتماعية إن صح التعبير.. وأنا لا أعلم عن سبب جمعهم بين المتناقضات؟. الزهد من جهة وحب الفلوس من جهة أخرى. هل هذا الجمع ناتج عن مرض سيكولوجي. أو هو ناتج عن مرض اجتماعي. أو هو هوس. أو هو فوبيا من هيمنة طبقات المجتمع الأخرى على بعض المواقع أو الوظائف ومناصب إدارية معينة. مع أن منهم من يشغل وظائف ربما مماثلة بل إن شغل وظائف إدارية معينة أصبح بما يمكن تشبيهه بوراثة بينهم فيذهب واحد ويخلفه واحد آخر بنفس المواصفات الشكليّة. فمن المستحيل أو النادر أن ترى شخصاً مثلاً ليس له لحية يعمل في جمعية خيرية رغم أني أتفهم أن يكون هناك مواصفات لخطيب الجمعة مثلاً. لكني لا أتفهم أن يكون هناك مواصفات معينة على موظف يشتغل في جهة لها صبغة دينية أو عمل خيري مثلاً. وعمله الأساسي على جهاز كمبيوتر. فهذه الوظيفة ليس لها دخل في كون الموظف ذا لحية كثيفة او كون الموظف حليقا لا شنب ولا لحية له.