تربط فرنسا والمملكة العربية السعودية شراكة استراتيجية فعلية، تعزّزت باستمرار خلال العقود الأخيرة. فمنذ اللقاء الأوّل الذي جمع جلالة الملك فيصل والجنرال ديغول عام 1967، تمرّ هذه العلاقات أوّلاً عبر اتصالات شخصية على أعلى المستويات. ففي هذا الصدد، إن الزيارة الثانية التي قام بها فخامة الرئيس هولاند إلى المملكة، بتاريخ 29 و30 ديسمبر-كانون الأول 2013، أتاحت له التشرّف بمقابلة مقام خادم الحرمين الشريفين، الملك عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود، وولي العهد صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن عبدالعزيز آل سعود مرّة أخرى، والتباحث معهما مطوّلاً. أكّدت هذه الزيارة متانة شراكتنا الاستراتيجية في جميع المجالات وضرورة مواصلة تعزيزها كما توّجت سنة ثريّة بالزيارات الوزارية الثنائية. قام وزراء الدفاع والتجارة الخارجية والنهوض الصناعي وفرنسيي الخارج الفرنسيين بزيارات إلى المملكة خلال الأشهر الماضية، كما زار فرنسا عدد من الوزراء السعوديين (لا سيّما وزراء الداخلية والحرس الوطني والصحة). علينا أيضاً أن نذكر الزيارات العديدة التي قام بها مسؤولون سعوديون رفيعو المستوى ممثلّين كافة القطاعات. تعكس هذه الزيارات كلّها الزخم الجديد التي تتميّز به العلاقات الفرنسية-السعودية. ينبغي علينا أوّلاً أن نشدّد على علاقاتنا الثنائية السياسية المتميّزة. على الصعيد الإقليمي، نلاحظ تطابق مواقفنا الواسع ونعمل سوية من أجل استقرار الشرق الأوسط: إنّنا ملتزمون بحزم إزاء استقرار العراق ؛ نقف سوية إلى جانب الشعب السوري؛ نرّوج دون هوادة لعملية سلمية عادلة في الشرق الأدنى؛ ندافع بصرامة عن سيادة لبنان؛ ونحرص بأقصى الحذر على أمن الخليج الذي ينبغي أن يبقى منطقة خالية تماماً من الأسلحة النووية. على الصعيد الاقتصادي، تتمحور علاقاتنا حول مصالح مشتركة. إن المملكة العربية السعودية هي شريك فرنسا التجاري الأول ضمن دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية. أمّا فرنسا، فهي المستثمر الأجنبي الثالث في المملكة. توّقع الشركات الفرنسية عقوداً مهمةً في مجالات معالجة المياه والكهرباء والنقل. إن شركاتنا ناشطة أيضاً في قطاعات الصحة والبيع بالتجزئة والطاقة والفندقية ومجال الفخامة بل أيضاً بطبيعة الحال في مجال الدفاع. إضافة إلى ذلك، لقد وقّعنا عام 2011 اتفاق تعاون في المجال النووي المدني. في ما يتعلّق بقطاعات الدفاع والأمن المشترك ومكافحة الإرهاب، تربط بلدانا علاقات تعاون قديمة، تنعكس لا سيما في تنظيم تدريبات عسكرية وتمارين مشتركة تضحى أكثر فأكثر طموحاً. إن القوّات السعودية مجّهزة بمعدّات عسكرية فرنسية تستخدمها أيضاً الجيوش الفرنسية وبرهنت هذه المعدّات عن فعاليتها. أمّا الثقافة فهي جوهرية في تبادلاتنا. إن عدد المبتعثين السعوديين إلى فرنسا في زيادة مطردة. تنمو العلاقات بين الجامعات الفرنسية والسعودية، وبشكل خاص في المجال العلمي. إنّنا نطوّر أيضاً تعاوناً من أجل مواكبة تحديث الإدارة في المملكة. إضافة إلى ذلك، نساهم في إظهار قيمة التراث السعودي من خلال مشاريع حماية بعض المواقع الأثرية ومن خلال البعثات الأثرية. وأخيراً، علينا أن نذكّر بالمعرض الهام حول روائع المملكة التراثية الذي تمّ تنظيمه في متحف اللوفر في باريس عام 2010 بل أيضاً بافتتاح العام الماضي قسم الفنون الإسلامية في هذا المتحف، والذي موّله جزئياً صاحب السمو الملكي الأمير الوليد بن طلال بن عبد العزيز آل سعود. علاوة على ذلك، فإن سفارة فرنسا لدى المملكة تقدمّ برامج ثقافية متنوّعة وثرية. أريد أن أذكر الدور الأساسي الذي يلعبه الفرنسيون المقيمون في المملكة، مهما كان قطاع عملهم. أوّد في النهاية أن أشيد بتطوّر المملكة. فمنذ استلام مهامي قبل حوالي سبع سنوات، كنت شاهداً على الطفرة التنموية والتحديثية في المملكة التي بقيت مخلصة لأصالتها. إن الإصلاحات التي أطلقها مقام خادم الحرمين الشريفين جوهرية في هذا الصدد. يكمن طموحنا المتواضع في مواكبة المملكة على هذا الدرب ويساهم في ذلك تعاوننا المتنوّع. إن التطوّر السريع الذي يشهده العالم اليوم، وخاصة الشرق الأوسط، يؤكّد، أكثر من أيّ وقت مضى، ضرورة مواصلة هذه العلاقة القوية والمستديمة والوديّة بين المملكة العربية السعودية وفرنسا. * السفير الفرنسي لدى المملكة