إن التطوّرات التي طرأت على العالم مؤخراً وبشكل خاص على هذه المنطقة، تفرض أكثر فأكثر، المحافظة على علاقات الصداقة القديمة والقوّية التي تربط فرنسا والمملكة العربية السعودية، وهما دولتان تربطهما عقود من الشراكة الإستراتيجية الناجحة. تعود هذه العلاقات إلى عام 1967 بمناسبة اللقاء الأوّل الذي جمع جلالة الملك فيصل والجنرال ديغول. ومنذ ذلك الوقت، تمّ تعزيز هذه العلاقات عبر اتصالات شخصية مباشرة. إن الزيارة التي قام بها فخامة الرئيس هولاند إلى المملكة، غداة انتخابه، كانت الزيارة الأولى إلى هذه المنطقة وأتاحت له التشرّف بمقابلة مقام خادم الحرمين الشريفين، الملك عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود وولي العهد صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن عبد العزيز آل سعود. منذ ذلك الوقت، توالت الزيارات. قام وزراء الدفاع والتجارة الخارجية والنهوض الصناعي الفرنسيون بزيارات إلى المملكة كما زار فرنسا عدد من الوزراء السعوديين ونذكر الزيارة التي قام بها مؤخراً إلى فرنسا صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن نايف بن عبدالعزيز آل سعود، وزير الداخلية، وأيضاً زيارة صاحب السمو الملكي الأمير متعب بن عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود وزير الحرس الوطني. تشهد كلّ هذه الزيارات على الزخم الجديد الذي تحظى بها علاقاتنا الثنائية. ينبغي علينا أوّلاً أن نشدّد على علاقاتنا الثنائية السياسية المتميّزة. على الصعيد الإقليمي، نلاحظ تطابق مواقفنا الواسع حول عدد من الملّفات الهامة: حزم إزاء إيران وسوريا، ودعم لسيادة لبنان وتشجيع عملية سلام عادلة بين الإسرائيليين والفلسطينيين ومتابعة عن كثب للوضع في مصر. إن المملكة شريكة هامة للغاية في مكافحتنا للإرهاب الدولي. أمّا فيما يتعلّق بعلاقاتنا الاقتصادية، فإن المملكة شريكنا التجاري الثاني في الشرق الأوسط. فرنسا هي المستثمر الأجنبي الثالث في المملكة. وقّعت الشركات الفرنسية عقوداً هامةً في مجالات معالجة المياه والكهرباء والنقل. إن شركاتنا ناشطة أيضاً في البيع بالجملة وفي الفندقية ومجال الفخامة على سبيل المثال. إضافة إلى ذلك، لقد وقّعنا عام 2011 اتفاق تعاون في مجال الاستخدامات السلمية للطاقة النووية. أوّد أيضاً أن أشير إلى منتدى الأعمال الفرنسي-السعودي الأوّل الذي التأم في باريس ونظّمه معالي وزير التجارة الخارجية الفرنسي ومعالي وزير التجارة والصناعة السعودي، بدعم من مجلس الأعمال الفرنسي-السعودي وحركة الشركات الفرنسية، الميديف، ولجنة التجارة الخارجية في مجلس غرف التجارة والصناعة السعودي. لقد حظي هذا المنتدى بدعم سياسي قوّي إذ أقام فخامة الرئيس هولاند حفل استقبال في قصر الإليزيه، حضرته شخصيات سعودية رفيعة المستوى ومعالي وزير التجارة والصناعة السعودي، الدكتور توفيق الربيعة، وأربعة وزراء فرنسيين. كان هدف هذا المنتدى تعزيز التعاون بين الشركات الفرنسية والسعودية الصغيرة والمتوّسطة وتزويد الشركات الفرنسية بمعلومات حول مشاريع وفرص الاستثمار في المملكة. حضره مئات المشاركين الفرنسيين ورجال الأعمال السعوديين. اندرج هذا المنتدى في إطار الدفعة الجديدة لعلاقاتنا الثنائية. في مجال الدفاع، يربط الجيوش الفرنسية والسعودية تعاون قديم، يتجلّى في الزيارات التي يقوم بها كبار مسؤولي وزارة الدفاع الفرنسية إلى المملكة وفي برامج التدريب التي يتمّ تنظيمها بل أيضاً في التعاون الفعلي في مجال التسليح. إن القوّات السعودية مجّهزة بمعدّات عسكرية فرنسية تستخدمها أيضاً الجيوش الفرنسية ولقد برهنت هذه المعدّات تميّزها وفعاليتها. إنّنا نطمح لتعزيز علاقتنا في هذا المجال. أمّا الثقافة فتلعب دوراً هاماً في علاقتنا الثنائية. إن عدد المبتعثين السعوديين إلى فرنسا في زيادة مطردة. تنمو العلاقات بين الجامعات الفرنسية والسعودية، وبشكل خاص في المجال العلمي. إنّنا نطوّر أيضاً تعاوناً من أجل مواكبة تحديث الإدارة في المملكة. إضافة إلى ذلك، نساهم في إظهار التراث السعودي عبر مشاريع حماية المواقع الأثرية تتوّلاها أربع بعثات فرنسية أثرية. علينا أن نذكّر بالمعرض الهام حول روائع المملكة التراثية الذي تمّ تنظيمه في متحف اللوفر في باريس عام 2010 بل أيضاً بافتتاح العام الماضي قسم الفنون الإسلامية في هذا المتحف، والذي موّله جزئياً صاحب السمو الملكي الأمير الوليد بن طلال بن عبدالعزيز آل سعود. علاوة على ذلك، فإن سفارة فرنسا لدى المملكة تقدمّ برامج ثقافية متنوّعة وثرية أكانت الحفلات الموسيقية الشهرية أو المعارض أو المحاضرات أو المسرحيات أو عروض الأفلام. أوّد في النهاية أن أشيد بتطوّر المملكة. منذ استلام مهامي قبل ست سنوات، كنت شاهداً على الطفرة التنموية والتحديثية في المملكة التي بقيت مخلصة لأصالتها. إن الإصلاحات التي أطلقها مقام خادم الحرمين الشريفين جوهرية في هذا الصدد. يكمن طموحنا المتواضع ولكن الفعلي في مواكبة المملكة على هذا الدرب ويساهم تعاوننا المتنوّع في ذلك. في الختام، دعوني أتمنّى تعزيز العلاقات بين بلدينا ومن الأكيد أن الزيارة التي ينوي القيام بها فخامة رئيس الجمهورية الفرنسي إلى المملكة في الخريف المقبل ستساهم في ذلك. عاشت الصداقة الفرنسية-السعودية. *السفير الفرنسي لدى المملكة.