في اليمن سقطت مدينة عمران بيد الحوثيين، وقد تؤدي إلى الزحف على صنعاء وبقية المدن الأخرى ما أكد أن الدولة التي تحاول إيجاد نظام يوسع صلاحيات الأقاليم بمرونة خاصة وباستقلالية مالية عن المركز لازال في طور التشكل لكن المسألة الأمنية خلقت وضعاً معقداً للدولة في مجابهة مليشيات الحوثيين، والقضية لم تعد خلق وفاق وطني، وإنما من له حق السيادة، ولذلك لم يعمر الحوار الوطني لأن الغايات، وتداخل العمليات المدعومة من الخارج، بددا الآمال في وضعٍ مستتب يضع وحدة الوطن فوق الولاءات والانتماءات والتحالفات.. ما يحدث في اليمن يجري مثله في دولة داعش، وبعيداً عمن أسّس، وأعطى ووفر الفضاء المفتوح لهذه التنظيمات لأن تسعى لتشكيل حكومات، فالخطر لا يقف على حدود البلدين، ولا على غموض الأهداف التي تسعى لها الدول الداخلة في اللعبة وتصريفها، وحالة مستقبلها.. دول المنطقة ليست وحدها من تُرسم خرائطها، فالدولتان الإقليميتان تركياوإيران على المحك طالما نفس المكوّن لكل منهما يتشابه في تركيبته السكانية من قوميات ومذاهب وأديان وبالتالي فمؤشر بناء الدولة الكردية صاحبه جدل صاخب خشية أن تلحقها شرارة ما يجري في العراق وسورية لتصبح لهباً على تركياوإيران، طالما مساحة الصراع تتسع ومؤثرات الأحداث لا تقودها دولة منفردة وسط فوضى عارمة.. أمن الخليج على المحك، وعلينا مواجهة أنفسنا بالواقع المستجد، وقياس قدراتنا على مواجهة الأحداث الجديدة، وكيف نرسم خطط دفاعنا وحمايتنا من ظروف تداخلت فيها إرادات ورغبات وقوى دولية وإقليمية، بينما لا نزال نرقب الأحداث ولكن بدون تفاعل جدي في بناء قوتنا العسكرية وتحركنا الدبلوماسي، وقد خلقت الظروف الراهنة وضعاً خطيراً، إذا ما استمرت حشود الحوثيين تتقدم على مدن اليمن لنجد أنفسنا أمام جوار يمني تديره إيران، وكذا الأمر بالنسبة لداعش لو تمددت على أجزاء أخرى من العراق وسورية، وجاورتنا بنفس المخاطر مع اليمن الحوثي؟ لا نريد التهويل من الأحداث الجديدة، لكن المخاطر أصبحت حقيقة واضحة، ولا ندعي أننا السلّم القصير في خضم ذلك، غير أن حشد قوانا يتطلب عملاً مباشراً حيث لا ندري ما تفرزه الأيام القادمة، ولا النوايا التي تريد وضعنا في كماشة.. فالحكومة العراقية بلا غطاء شعبي يعيد وحدتها وهيبتها، وأصبح التهديد بحرب أهلية أمراً قائماً لاستعداد طرفيْ الصراع الشيعة والسنّة لخوض المعركة، وقد لا تستثني الأكراد، وإيران وأمريكا على وفاق في إبقاء نفوذهما في دائرة مصلحة كل منهما، لكن ما يجري على الأرض قد يخالف خططهما وهذا ما تؤكده المسيرات التي تقودها كل أطراف الصراع، وكذا اليمن فرغم وجود قوة نسبية عسكرية للدولة، فإن الأزمات الداخلية الحادة قد تخلق توجهاً آخر يضع الدولة في مأزق.. هذه الأجواء تفرض على دول الخليج أن تضع كل الاحتمالات بما فيها الأسوأ في صيانة أمنها، ونحن نعرف أن داخل هذه الدول عناصر تلتقي فكرياً وعملياً مع مواقع التطرف وتدعمها وتروج لأفكارها ومعتقداتها، وهم بمثابة الاحتياطي الاستراتيجي لها ولمن خلفها.. لا يزال في الوقت متسع وفرصة لأن نعلن التجنيد الإلزامي وحشد القوى الوطنية من شبابنا في إضافة طاقة لجيوش الخليج وهو أمر ضروري يفرضه إيقاع الأحداث لأن من يتربصون بنا حتى من يدّعون صداقتنا، يرسمون خططهم بعيداً عن أفكارنا واستراتيجياتنا، وهو ما يوجب أن نعي الخطر ونتعامل معه بجدية مطلقة..