توجد دلالات لافتة للوفاق الإقليمي على تشكيل حكومة وحدة وطنية لبنانية بعد تعطيل مدروس دام خمسة أشهر وللاتفاق الدولي على القبول الضمني بحكومة لبنانية تضم «حزب الله» لها مقعد في مجلس الأمن الدولي. الرسائل الإقليمية والدولية المتبادلة – عبر الساحة اللبنانية – مُطمئنة للبنانيين وللمنطقة، أقله الآن. كذلك مطمئن ما تعتزم حكومة سعد الحريري أن تُعرَف به ك «حكومة الإنجازات» ويفيد بأنها ستركز على الاقتصاد والإصلاح وخلق الوظائف والخصخصة لاعتبارها التوافق والتقارب سيما بين المملكة العربية السعودية وسورية نافذة جيدة على استقرار سياسي يسمه بإعطاء الأولوية للاقتصاد. كل هذا يشكل فرصة ل «حزب الله» أن يتموضع محلياً وإقليمياً ودولياً كحزب لبناني له مكانه ومكانته وأن ينفض عن نفسه سمعة الزاوية الثالثة في ما يسمى «مثلث الإمارة» بقاسم مشرك هو تلقيه الصواريخ الإيرانية، والعداء للولايات المتحدة ولدول الاعتدال العربية. العداء لإسرائيل طبيعي طالما لا سلام بين لبنان وإسرائيل بل حال الحرب والنزاع قائمة رسمياً بينهما. إنما ليس من مصلحة «حزب الله» ان يكون ضلعاً في «مثلث» أو ضالعاً في ما يوصف بأنه «إمارة جنوب لبنان» الى جانب «إمارة غزة» تحت إشراف «حماس» أو «إمارة صعدة» للحوثيين في اليمن. أهل الجنوب قد يريدون مد الدعم المعنوي والمادي لمساعدة الفلسطينيين على التخلص من الاحتلال الإسرائيلي، لكنهم، على الأرجح، لن يريدوا أن يكونوا طرفاً في حروب الحوثيين أو «القاعدة» في اليمن. فذلك مشروع حقاً تدميري يُخشى أن يحوّل اليمن الى صومال أخرى. مسؤولية اليمنيين أنفسهم تتصدّر الاعتبارات بما في ذلك أخطاء الحكومة اليمنية والرئيس علي عبدالله صالح تحديداً. إنما هناك قوى خارجية تتلاعب باليمن وهناك تدخل اعترفت به إيران تحديداً. ردود الفعل السعودية في صدها اتساع القتال الى أراضيها مفهومة وكذلك مخاوفها من تزاوج الصراع الداخلي والطبيعة الجافة للأراضي اليمنية الذي قد يؤدي الى تدفق هجرة غير طبيعية عبر حدودها. فالعنصر الجيولوجي يشكل «قنبلة موقتة»، بحسب تعبير أحد أبرز خبراء العلاقة السعودية – اليمنية، الأمر الذي يتطلب سياسة مدروسة عاجلة نحوه داخل السعودية وإقليمياً وأيضاً في الولاياتالمتحدة، شأنه شأن احتمال تحول اليمن الى صومال. إنما أهداف الجمهورية الإسلامية الإيرانية يصعب فهمها في اليمن – بما يتعدى الاستقطاب المذهبي الخطير – سيما وأن في طيات هذا الاستقطاب إمكانية تحوّل أجزاء من الأراضي اليمنية الى تربة خصبة ل «القاعدة». شعار العداء لأميركا والكراهية ل «الشيطان الأكبر» يبدوان ضروريين لعلاقة الجمهورية الإسلامية الإيرانية مع الولاياتالمتحدة حتى في الوقت الذي يزداد التقارب بينهما ويتكاثر الكلام عن تفاهمات وراء الكواليس، لربما السماح للبنان أن تكون له حكومة أخيراً، أحد مؤشراتها. هذا لا يمحو واقع التقلبات والمفاجآت والسياسات الناقصة والسيئة في المنطقة والتي بات لبنان ساحة اختبار لها. إنما اليوم، المؤشر الأقوى يفيد بأن القراءة الصحيحة للأوضاع هي ضرورة أميركية وإقليمية وأوروبية وروسية ومحلية لتفادي انزلاق الفرص المتاحة الى دهاليز وكوابيس للجميع. في الموضوع اللبناني، وفي البدء، لا بد من توديع حقبة رئاسة فؤاد السنيورة للحكومة اللبنانية في أحد أصعب مراحلها بالتقدير والثناء والتهنئة على المفاجأة الجميلة التي هي فؤاد السنيورة نفسه. فلقد وضع هذا الرجل القدير لبنة مهمة للبنان هي إبراز أهمية المؤسسات لمستقبل البلد، وهذه تركة من الضروري لرئيس الحكومة الحالي سعد الحريري أن يصونها ويبني عليها بكل إصرار. عضوية لبنان في مجلس الأمن للسنتين المقبلتين تعزز احتمالات لعبه دوراً مميزاً إقليمياً ودولياً، وهذا بدوره يجب أن يقوّي نسيجه الداخلي السياسي منه والاجتماعي. فبدلاً من سمعة تحوله الى ساحات حروب بالنيابة، والسخرية من تركيبته السياسية وقيادات مرتهنة فيه، ان الدور المميز الذي يلعبه العضو العربي الوحيد في مجلس الأمن يمكن أن يضفي على لبنان هيبة هو في حاجة اليها. هذا إذا أحسن فهم معطيات هذا الموقع وقيوده أيضاً، بلا مغالاة ولا إسراف في إعطاء المقعد في مجلس الأمن أهمية خارج حدودها... مندوب لبنان الدائم السفير نواف سلام قادر على تمثيل لبنان أفضل تمثيل في مجلس الأمن ومعه فريق ممتاز من الديبلوماسيين أكثرهم له خبرة مع مجلس الأمن واثنان منهم مثّلا لبنان في أحد أصعب مراحله بوصفهما قائمين بأعمال البعثة هما: نائبة السفير حالياً كارولين زيادة، والديبلوماسي إبراهيم عسّاف، وقد كان معهما خلال تلك الفقرة وقبلها مجدي رمضان في البعثة اللبنانية لسنوات وعاد للالتحاق بالفريق. فإداء الديبلوماسية اللبنانية اتسم بالحكمة والمرونة والرزانة، وهذا جزء من هيبة لبنان المتوخاة. ولأن نواف سلام خبير في القانون الدولي فإنه تمكن، مثلاً، من لعب دور أساسي وبنّاء في تقريب المواقف العربية وشارك في صياغة استراتيجية ذكية في التناول العربي لتقرير القاضي ريتشارد غولدستون الذي جاء فيه ان إسرائيل و «حماس» ارتكبتا «جرائم حرب وربما جرائم ضد الإنسانية» في حرب غزة. هذا التقرير سيبقى لولباً للديبلوماسية العربية في الأممالمتحدة وربما في مجلس الأمن، سيما إذا استمر التدهور في عملية السلام للشرق الأوسط الى الحضيض. فهناك كلام عن احتمال التوجه الى مجلس الأمن في موضوع عملية السلام إذا خُلِصَ الى الاستنتاج ان الرعاية الأميركية للعملية وصلت باباً مسدوداً فمجلس الأمن تبنى قرارات مهمة حول العملية السلمية بما فيها قرار بناء دولة فلسطين بجانب إسرائيل على أساس خريطة الطريق. فإذا عادت قضية الشرق الأوسط والنزاع العربي - الإسرائيلي الى مجلس الأمن، سيكون دور لبنان فائق الأهمية بصفته العضو العربي الوحيد. كذلك الأمر في أية قضايا غير عربية، ان العضوية العربية الممثلة بلبنان سيكون لها وزن مميز. وعلى كل حال، هناك أهمية التقاربية Proximity في صنع القرارات المعنية بالأمن والسلم الدوليين والتي تضع الدول المنتخبة لمقعد في مجلس الأمن على طاولة المشاورات والمفاوضات ذاتها التي تضم الدول الخمس الدائمة العضوية الولاياتالمتحدة والصين وروسيا وبريطانيا وفرنسا. إنما مع الحقوق والشرف هناك مسؤولية كبيرة تقع على أكتاف الحكومة اللبنانية وهي تتولى مقعدها في مجلس الأمن. فهذا المقعد هو أيضاً مقعد امتحان لجدية الدول وللمكانة التي تسعى وراءها. فإذا أتى الوفد اللبناني ليعكس الخلافات الداخلية اللبنانية في مواقف لبنان إزاء القضايا الدولية، فإنه بذلك سيفقد الاحترام وكذلك القدرة على التأثير في صنع القرار. ذلك ان لبنان ليس دولة تملك حق النقض (الفيتو) وبالتالي ان صوته ليس حاسماً. وعليه، ان أهمية لبنان في مجلس الأمن هي في تأثيره أكثر مما هي في تصويته. أعضاء مجلس الأمن في أول اجتماع لهم بعد تشكيل الحكومة اللبنانية هذا الأسبوع رحبوا بهذا الإنجاز من دون أن يتحفظ أي منهم – بما في ذلك الولاياتالمتحدة – على تشكيلة الحكومة التي تضم وزراء ينتمون الى «حزب الله». هذه رسالة ترحيب أيضاً بعضوية لبنان في المجلس ورسالة استعداد لغض النظر لمساعدة البلد إنما مع الإصرار على العزم على تنفيذ كل القرارات بما فيها القرار 1559 الذي حرص المندوب الأميركي على ذكره. فلا تراجع لمجلس الأمن عن القرارات وأية محاولة – أو تفكير - في إمكانية إلغاء أو محو قرار ما إنما هو حلم غير واقعي. فالقرار 1559 الذي يطالب بتفكيك جميع المليشيات اللبنانية وغير اللبنانية باق في مجلس الأمن شأنه شأن القرارات التي أنشأت المحكمة الدولية لمحاكمة الضالعين في اغتيال رئيس الحكومة السابق رفيق الحريري ورفاقه والاغتيالات الأخرى التي يثبت التحقيق ارتباطها باغتيال الحريري. لذلك، من الحكمة تجنب أية محاولة للالتفاف على قرارات مجلس الأمن، ومن الضروري تمسك لبنان بموقفه الثابت وهو الالتزام بتنفيذ كل القرارات ذات الصلة به. إيران قد تخلق أجواء مواجهة مع مجلس الأمن وذلك لإخراج الملف النووي منه وإعادته حصراً الى فيينا حيث الوكالة الدولية للطاقة الذرية. رسالة الولاياتالمتحدة وبريطانيا أثناء الجلسة المغلقة هذا الأسبوع للبحث في القرار 1701 المعني بلبنان والذي وضع ظروف وشروط استمرار وقف النار بين لبنان وإسرائيل كانت رسالة واضحة. فلقد طرح المندوبان مسألة السفينة الإيرانية التي اعترضتها إسرائيل وقالت انها كانت محملة بالأسلحة ومتوجهة الى سورية في طريقها الى «حزب الله» في لبنان، لكنهما طرحاها بتحميل المسؤولية الى إيران ولم يستغلاها لشن هجوم على «حزب الله». كذلك قرر مجلس الأمن إحالة المسألة الى لجنة العقوبات المعنية بإيران والتي تمنع إيران بموجب القرار 1747 من تسريب وتهريب الأسلحة خارج بلادها. لكن رسالة حسن النية هذه لن تدوم إذا أصر «حزب الله» على إقحام اجندة له على الحكومة اللبنانية. فموضوع «المقاومة» التي يريدها في البيان الوزاري تمت معالجته أثناء حكومة السنيورة ولا ضرورة لافتعال أزمة ومشكلة لا داعي لها على عتبة دخول لبنان الى المجلس. أما إيران فإنها قادرة على الاعتناء بنفسها في علاقاتها مع الدول الكبرى. وكما لا حاجة بالولاياتالمتحدة أو روسيا أو فرنسا الى زج لبنان في زاوية في الموضوع الإيراني، كذلك لا حاجة بإيران ان تتوقع ان يكون لبنان بوقاً لها. فالهوية اللبنانية في مجلس الأمن هي هوية عربية. ومن هنا يجدر مراقبة التطورات على الساحة الإقليمية والتي قد يصل بعضها الى مجلس الأمن الدولي. فقد سبق وتناول المجلس الملف اليمني والسعودي – اليمني، وقد تعيد التطورات هذا الملف الى المجلس من منطلق آخر مختلف تماماً. إيران اعترفت هذا الأسبوع عبر وزير خارجيتها منوشهر متقي بدورها المباشر في اليمن داعماً بذلك التقارير التي تفيد بأن إيران تمد الحوثيين بالمال والسلاح. بل انه هدد قائلاً: «ننصح بشدة دول المنطقة والدول المجاورة بعدم التدخل في الشؤون الداخلية لليمن»، وتابع متوعداً: «لأن من يختارون صب الزيت على لهب الصراع سيحترقون بنيرانه». الولاياتالمتحدة، حكومة وكونغرس وإعلاماً وشعباً، تجهل تماماً ماذا يحدث في اليمن ولماذا. حتى ان هناك مدراء رفيعي المستوى في الإدارة الأميركية مسؤولين عن ملف اليمن ودول مجلس التعاون الخليجي يندهشون لسماع بديهيات أساسية بعدما قرروا اختزال الموضوع رافضين تقارير الدور الإيراني في اليمن. اليوم، على الإدارة الأميركية وعلى الإعلام الأميركي وعلى مؤسسات الفكر والدراسات الأميركية أن يعكفوا على فهم ما يحدث في اليمن قبل فوات الأوان ويصبح أخطر دولة فاشلة على المنطقة والعالم. كذلك، على الديبلوماسية السعودية ان تشارك في حملة التثقيف عبر إيضاح ما هي سياساتها الآنية والاستراتيجية نحو اليمن وكيف تنوي تناول المسألة مع إيران. فهناك حاجة ماسة الى توعية المسؤولين الأميركيين والإعلام الأميركي الى أخطار «القنبلة الموقتة» المسماة اليمن، الجيولوجية منها والتمردية والقبائلية والحوثية والحكومية. أخطاء الماضي كثيرة وهناك حاجة اليوم للتوقف عن الحروب بالنيابة وعن بناء العلاقات الإقليمية على قاعدة تحويل الدول الى «دول عميلة» للقوى الإقليمية. إيران تبدو في تشوق لاستمرار هذا النمط ليكون شبه «ماركة» لها، فيما تود دول عربية الكف عن هذا النمط – اما اضطراراً أو عمداً لانشغالها بالأوضاع الداخلية وتحديات خلق الوظائف لملايين الشباب. لبنان استفاد من التقارب والوفاق والاتفاق، أقله موقتاً وكخطوة أولى واليمن يستحق حشداً دولياً قبل فوات الأوان.