أوضحت دراسة حديثة علاقة أخرى بين مرض السكري ونشاط المخ وعمله وكذلك تركيبة المخ من ناحية الحجم والوظيفة. هي دراسة تحدثت عن مرض السكري ومصاحبته لارتفاع ضغط الدم في منتصف العمر، حيث بينت الدراسة التي شملت عمل أشعة مقطعية للمخ بأن حجم المخ لدى مرضى السكري أصغر في مناطق الذاكرة بنسبة 2 في المئة من الأشخاص غير المصابين بمرض السكري. وقد يفسر هذا الاختلاف في الحجم ما تشير له بعض الدراسات من أن مرضى السكري أكثر عرضة للإصابة مثلا بمرض ضعف الذاكرة أو حتى مرض الألزهايمر. شملت الدراسة الآنفة الذكر اثنين وسبعين مريضا في منتصف العمر مصابين بمرض السكري وتم مقارنتهم بمئة وأربعين مريضا مصابا بمرض السكري في نهاية العمر وكذلك تم مقارنتهم بحوالي ألف مريض ليسوا مصابين بمرض السكري، وأظهرت هذه الدراسات هذه الاختلافات التشريحية والتي لها انعكاسات على التركيز والتفكير. أدت نتائج هذه الدراسة إلى الاعتقاد من جديد من أن مرض السكري ومرض ضعف الذاكرة هو مرض واحد أو أن منبعهما واحد. فمرض السكري كما يعرف الجميع هو عبارة عن عدم قدرة الجسم على الانتفاع بهرمون الإنسولين بسبب ضعف مستقبلاته. فالدماغ الذي ينقصه الانتفاع بالإنسولين يكون عرضة هو الآخر للإصابة بضعف الذاكرة وهذه نظرية مفترضة لإصابة مريض السكري بمرض ضعف الذاكرة. بعض الدراسات التي عملت على حيوانات التجارب أوضحت أن فئران التجارب التي تمت تغذيتها بطريقة تجعلها عرضة للإصابة بمرض السكري النوع الثاني، وجدت هذه الدراسة أن الفئران تكون لديها بقع تسمى بقع الأمايلود وهي مادة مؤثرة على عمل الأعضاء ومنها الدماغ مما أثر على وظيفة المخ لديها وخاصة الذاكرة. والذي أكد نتيجة هذه الدراسة وأن مادة الأمايلود التي تكونت بسبب نقص فعالية الإنسولين هي السبب. قام القائمون على هذه الدراسة بإزالة بقع الأمايلود من الفئران باستخدام مواد معينة مما أدى إلى تحسن درجة الذاكرة لدى فئران التجارب. ومن الدراسات الشهيرة في هذا المجال هي تلك الدراسة التي شملت خمسة عشر ألف مريض من مرضى السكري الذين تجاوزت أعمارهم الخمسين عاما والتي نشرت في المجلة التي تعرق باسم مرض الألزهايمر والتي أوضحت أن علاج الميتفورمين أو الجلوكوفاج وهو علاج من أشهر علاجات السكري النوع الثاني وأكثرها انتشارا والذي يعمل على زيادة حساسية مستقبلات هرمون الإنسولين للإنسولين. أوضحت هذه الدراسة أن علاج الجلوكوفاج لا يزيد من حساسية الجسم للإنسولين فحسب بل يقلل من نسبة تدهور الحالة التركيزية وقوة الذاكرة لدى مريض السكري. كما أن العلاقة بين مرض السكري وضعف الذاكرة لها علاقة بدرجة المحافظة على معدل السكر التراكمي ومستويات السكر في الدم، ففي دراسة في هذا الصدد نشرت في مجلة عريقة من مجلات مرض السكري تسمى رعاية مرض السكري، أوضحت أنه كلما ارتفع معدل السكر التراكمي كلما زادت نسبة حدوث مرض ضعف الذاكرة. أي العلاقة طردية بين الأمرين بين مرض السكري وضعف الذاكرة. وفي المجلة التابعة للجمعية الأمريكية لكبار السن خصت النساء البالغات من العمر سبعين عاما أو أكثر بدارسة مفصلة، وأوضحت أن المصابات بمرض السكري لديهن تدهور في الذاكرة والتركيز بنسبة الضعف مقارنة بالنساء غير المصابات. وهذا الزيادة في النسبة تجدها كذلك فيمن هن مصابات بارتفاع ضغط الدم والممارسات للتدخين. إن المتفحص لهذه الدراسات يصل إلى نتيجة مفادها أن السكريات أو الإفراط في تناولها قد تؤثر سلبا على خلايا المخ وتعمل على تقلص حجمها. ومن الدراسات اللطيفة هي الدراسات التي أشارت الى علاقة تناول اللحوم المشوية على خلايا المخ وذلك لتحول اللحوم أو الدهون التي تحويها إلى سكريات مضرة للمخ وخلايا الدماغ. التساؤل هنا كيف يمكننا تقليص نسبة احتمال الإصابة بمرض ضعف الذاكرة أو الألزهايمر وخاصة الكثير منا يعاني من مرض السكري. نسبة الإصابة بمرض الألزهايمر تزيد بزيادة العمر وتقدمه وهو عامل لا يمكننا مقاومته وكذلك مرض السكري تزيد احتمالية الإصابة به بتقدم العمر ولكن الجميل في مرض السكري هو أننا نستطيع مقاومته أو على الأقل مقاومة مضاعفاته. فالوسيلة الأولى هي ضبط معدل السكر التراكمي، حيث أن السكر يعمل على تقليص تدفق الدم للمخ عبر تحوله إلى دهون والتي تترسب في الأوعية الدموية الدماغية الصغيرة، كما ينبغي لنا ممارسة الرياضة لخفض الوزن والتحكم في الضغط والكلستيرول ونحوها. كما أن التحكم بمرض السكر عبر استخدام المخفضة للسكر ساعدت بشكل كبير في تقليل معدل التقدم في مرض الألزهايمر وضعف الذاكرة. وكذلك الاستخدام المبكر للإنسولين يساعد كذلك في الحد من استفحال مرض الألزهايمر وتدهور حالة المريض. وفي دراسة في هذا الصدد نشرت في مجلة رعاية السكري أوضعت أن الضخ المستمر للإنسولين خفض بشكل ملحوظ بعض معايير وظائف المخ الاستقلابية. بل إن علاقة الإنسولين وارتفاعه في مرض السكري النوع الثاني بسبب مقاومة جسم مريض السكري له لا يقف عند حد الإصابة بمرض الألزهايمر بل هناك العديد من الأمراض العصبية مثل التوتر على سبيل المثال وكذلك مرض الباركنسونيزم وغيره من الأمراض العصبية والنفسية تزيد نسبة حدوثها بزيادة معدلات السكري. مما سبق، يتضح لنا أن مريض السكري حينما يأتي يشكو من توتر وزيادة عصبية، فهو محق في ذلك لأن مرض السكري وارتفاع الإنسولين أو ارتفاع سكر الدم، كل هذه المؤشرات تؤثر سلبا في قدرة المريض على التركيز والتفكير والتفاعل مع الآخرين وكذلك التفاهم. وهذه الدراسات الجديدة ونتاجها توسع مدارك الطبيب والمريض إلى كون مرض السكري لا يقتصر ضرره على القلب والكلى والأوعية الدموية فقط، بل أن ضرره يكون أكثر على الدماغ وخلاياه وأن هذا الضرر يحدث ببطء من دون أن يدركه المريض إلا بعد حدوثه وربما تفحله. مرض السكري عبارة عن عدم قدرة الجسم على الانتفاع بهرمون الإنسولين