يحتفل العالم كل عام بيوم التوعية بداء السكر العالمي، وشعار هذه السنة يركز على العناية بالسكري ومضاعفاته على الأقدام، وكثيراً ما لا تعطى هذه المضاعفات أهميتها مما يؤدي إلى الحد من الحركة أو البتر أو الوفاة. شهد العالم خلال العقود المنصرمة زيادة غير مسبوقة في حالات داء السكري. ولقد لوحظت الزيادة بشكل أكبر في بعض البلدان مثل الشرق الأوسط وآسيا، وكانت حصيلة انتشار مرض السكري في المملكة العربية السعودية قد بلغت 20٪ للأشخاص الذين تجاوزوا الثلاثين من العمر، وهذه الزيادة متزامنة أو موازية بشكل كبير لزيادة السمنة. وتأتي هذه الزيادة الدراماتيكية في بعض الحالات نظراً لطبيعة الحياة والظروف المعيشية لتلك المنطقة ومتغيراتها، الأمر الذي سيؤدي بطبيعة الحال إلى زيادة مضاعفات داء السكري، إلا إذا تم القيام بالتحكم بمعدل السكر في الدم وتغيير الممارسات الخاطئة والالتزام بحمية معينة. وكما هو معروف فإن أكثر أنواع مرض السكري شيوعاً النوع الثاني وتبلغ نسبته 90٪ من مجموع حالات مرض السكري، وهو غالباً ما يظهر في كبار السن في عمر ما فوق الأربعين، وبالرغم من التغييرات إلا أنه بدأ في الظهور مؤخراً في أشخاص أقل سناً من ذلك مثل الاطفال. وفي حقيقة الأمر فإن ثلث الأشخاص المصابين بمرض السكري والذين تقل أعمارهم عن سن الثامنة عشرة هم المصابون بالنوع الثاني من السكري. يحدث النوع الثاني من مرض السكري في حالة عدم استجابة الجسم للأنسولين وهي تسمى (مقاومة الانسولين). وتعتبر هذه المقاومة حالة وراثية، وتؤدي عوامل وراثية ما إلى تطورها بالإضافة إلى زيادة الوزن ونمط الحياة الخاطئ. ومع أن الأشخاص المعرضين للإصابة بداء السكري يعانون أيضاً من ضعف خلايا البنكرياس التي تفرز الأنسولين، وتسمى خلايا ب، لذا فإن زيادة مقاومة الجسم للأنسولين وقلة إفرازه عن طريق البنكرياس سيؤدي في النهاية إلى تطور مرض السكري. إن اتباع حمية صحية في بداية الأمر من الممكن أن تصحح من معدل السكري في الدم ولكنه في نهاية الأمر سيحتاج إلى الأدوية ليقلل من مستوى الجلوكوز إلى المعدل الطبيعي، ولكن مع الوقت ستفشل خلايا البنكرياس (ب) مما سيزيد من حاجة المريض لتناول المزيد من الأدوية وحقن الأنسولين. ويختلف الحال في النوع الأول من مرض السكري حيث تتعرض خلايا (ب) للتكسر في الجسم وتكون مفاجئة من ناحية تطورها وهي تحدث عند الأطفال، وتعالج فقط عن طريق الأنسولين. واتضح مؤخراً وجود مرضى سكري من النوع الأول في حالات متقدمة في السن، إذاً هناك عدة تغيرات في النوع الأول والثاني. إن إهمال المريض في علاج داء السكري النوع الأول قد يؤدي إلى حدوث تطور ومضاعفات لهذا المرض المزمن. وتسمى هذه مضاعفات الأوعية الدموية الدقيقة وهي شائعة وتحتوي على أمراض الجهاز العصبي وأمراض الشبكية وأمراض الكلى مثل حدوث الفشل الكلوي. أما المضاعفات الأخرى فيطلق عليها مضاعفات الأوعية الدموية الكبيرة وهي تهاجم الأوعية الدموية الكبيرة وتسمى ما يعرف بالغنغرينا، أو الجلطة الدماغية، أو الجلطة القلبية. وعند حدوث هذه المضاعفات جميعاً (مضاعفات الأوعية الدموية الدقيقة والكبيرة معاً) قد يؤدي ذلك إلى حدوث مضاعفات في الأقدام، وهو شعارنا في اليوم العالمي للتوعية بمرض السكري. وترجع نصف حالات بتر الأطراف وحالات الإصابة بالعمى إلى مرض السكري، وأكثر حالات الفشل الكلوي مصدرها مرض السكري، الأمر الذي قد يؤدي إلى تدهور طبيعة الحياة ويقلل من التوقعات للحياة في المستقبل. الوقاية خير من العلاج، تمثل هذه العبارة حقيقة وخاصة في يومنا الحاضر أكثر من ذي قبل، ونظراً لزيادة تكلفة العلاج من سنة إلى أخرى وعدم وجود بوادر علاجية نهائية للمرض فإنه من المنطق وجود حلول لمنع تطور المرض أو مضاعفاته. وبالنسبة للنوع الأول من مرض السكري فإن جميع المحاولات للحيلولة دون حدوثه باءت بالفشل، إلا أن الوضع يعتبر أفضل بالنسبة للمرضى المصابين بالنوع الثاني من مرض السكري. ولقد أشارت إحدى الدراسات التي تمت في الولاياتالمتحدة ان الاستمرار في الرياضة لمدة 20 دقيقة يومياً وتخفيض الوزن بمعدل 3 كيلوجرامات في الأشخاص المعرضين للإصابة بمرض السكري يقلل من الإصابة بالسكري بنسبة 60٪ ، وهو أفضل بكثير من استخدام عقار الميتافورمين (30٪) المخصص لعلاج السكري. ولقد تم التأكيد على هذه الدراسة التي قدمت بعض الدراسات التي تمت خلال تلك الفترة في مساواتها للنتائج التي تمت على الأشخاص البيض والسود والنساء والرجال. ولكن يأتي السؤال ماذا لو تطور مرض السكري هل يمكن منع المضاعفات؟ لقد احتاجت هذه القضية إلى عقود من الزمن للإجابة عليها، ولكن في القرن الأخير تمت عدة ابحاث ودراسات ضخمة لدراسة النوعين من مرض السكري النوع الأول والنوع الثاني. ولبرهنة نظرية الجلوكوز، على سبيل المثال: إن ارتفاع مستوى السكر في الدم هو الذي يسبب حدوث المضاعفات وعلاجها يخفض من نسبة المضاعفات؟ وأثبتت هذه النظرية في مرضى النوع الأول من مرضى السكري وهم المرضى الذين يستخدمون حقن الأنسولين أو مضخة الانسولين لتخفيض مستوى الجلوكوز في الدم بنسبة 70 مليجرام لكل دس، وهي تقلل من مضاعفات الأوعية الدموية الدقيقة بنسبة تقريبية قد تصل إلى 60٪. وقد تمتد هذه النتائج لعدة سنين حتى لو ارتفع معدل الجلوكوز في الدم إلى 35 مليجراماً لكل دس، لبعض سنوات أخرى. أما بالنسبة لمضاعفات القلب فقد انخفضت بنسبة وصلت إلى 50٪ خلال عشر سنوات من انتهاء الدراسة، وظهرت نتائج مماثلة بالنسبة لمرضى السكري من النوع الثاني. إن من أهم العناصر المؤدية إلى حدوث المضاعفات هو ارتفاع الكولسترول وضغط الدم، ولقد أثبتت بعض الدراسات الانخفاض البسيط في معدل الكولسترول وضغط الدم في النوع الثاني من مرض السكري قد يؤدي إلى التقليل من أمراض القلب المفاجئة. لذا فإن التحكم الكلي لمعدل الجلوكوز والكولسترول وضغط الدم قد يحول دون وقوع مضاعفات السكري الأخرى. «المعدل الطبيعي» كيف يمكن الحصول على معدل طبيعي للجلوكوز في الدم؟ إن اتباع حمية صحية والمواظبة على أداء التمارين يعتبران الدعامتين الأساسيتين في ضبط مستوى السكري في الدم وخصوصاً للنوع الثاني من مرضى السكري ذوي الأوزان الكبيرة. في البداية عندما يكون السكر مرتفعاً عن المعدل الطبيعي ارتفاعاً بسيطاً يمكن تصحيحه بطريقتين وهي: (الحمية - الرياضة)، ومهما بلغت أهمية الأدوية فلابد من استمرار ممارسة الحمية والرياضة. إن اتباع الحمية يعني تناول كمية الطعام التي يحتاجها الجسم فقط، وفي نفس الوقت يجب الابتعاد عن النشويات المكررة مثل السكريات وعندما تفشل الحمية والرياضة في تلك اللحظة يمكن استخدام العقاقير الطبية. هناك عدة فئات من الأدوية التي يمكن استخدامها في علاج السكر، وقد استخدمت هذه الأدوية منذ عدة سنوات وتضاف لها كل سنة أو سنتين أدوية جديدة، كما ان هناك 5 فئات من الأدوية التي تحفز إفراز الأنسولين مثل (Sulphoylureas وMitiglinides). كما طرحت أدوية جديدة لها علاقة بهرمونات في الأمعاء الدقيقة وهي أيضاً تحفز إفراز الأنسولين عندما يكون معدل السكر مرتفعاً في الدم وليس عندما يكون في المستوى الطبيعي، ولقد تم استخدام عقار الجلوكوفاج لعدة سنوات وهو يعمل للتقليل من إفراز الكبد للسكر وفي نفس الوقت يخفض من مقاومة الجسم للأنسولين، ومن الأدوية الجديدة Glitazone وهي تعمل على تقليل مقاومة الجسم للأنسولين مثل (Avandia and Actos). ويعتبر الأنسولين الدواء الوحيد الذي يمكن استخدامه لمريض السكري من النوع الأول، لأنه يجب أن يحقن تحت الجلد وهذا يسبب إزعاجاً للمرضى، ويعطى هذا العلاج بطريقة غير فسيولوجية حيث أن هرمون الأنسولين يفرز عندما يرتفع السكر في الدم ويفرز مباشرة في الدورة الدموية بكميات تتناسب مع ارتفاع السكر في الدم وهذا بخلاف الأنسولين الذي يعطى تحت الجلد الذي يؤخذ قبل الوجبة لهذا يحتاج لبعض الوقت ليصل إلى الدورة الدموية بكمية تتناسب مع كمية الغذاء المستهلك. وقد يسبب إحباطاً للطبيب والمريض أيضاً إذا لم يتم تكافؤ الأنسولين مع الجلوكوز. هناك عدة محاولات لإعطاء الأنسولين بالشكل الفسيولوجي أدت إلى تصنيع الأنسولين وهذه الأنواع المصنعة هي، يوجد نوعان من الأنسولين النوع الأول هو الأنسولين سريع المفعول (Humaloguex Insulin Aspart) يمتصه الجسم بسرعة وينتهي مفعوله بعد 4 ساعات، ومن مميزاته أنه يقلل من حدوث هبوط في مستوى السكر ويقلل من ارتفاع الجلوكوز بعد الوجبة. والنوع الآخر هو الأنسولين بطيء المفعول (CLARGINE& DETIMIR) ويمكن أن يعمل 24 ساعة وهو أيضاً يقلل من نسبة انخفاض السكر المفاجئ، ومن عيوبه أنه لا يمكن خلطه مع أي نوع آخر من الأنسولين. الخوف والانزعاج من حقن الأنسولين شجع الكثير من الباحثين لإيجاد حل للمشكلة وإيجاد أنواع جديدة لا تحتاج إلى حقن فقبل أشهر رخص أول أنسولين عن طريق الاستنشاق في الولاياتالمتحدةالامريكية وهذا النوع من الأنسولين يستنشق قبل الوجبات ويعمل مثل عمل الأنسولين سريع المفعول، وبالنسبة للكثير من المرضى يعتبر هذا التطور الذي طال انتظاره سيجعل استخدام الأنسولين أكثر قابلية لهذا النوع. ولقد عملت عدة أبحاث لتطوير الأنسولين الذي يمكن استخدامه عن طريق الأنف والفم وفي يوم من الأيام ستصبح حقيقة تعتبر التطورات التكنولوجية ضرورة وهي تعني زيادة وتجديد الأدوية الأكثر ملاءمة والأكثر دقة، ومن هذه التطورات مضخة الأنسولين التي وجدت منذ عدة سنوات وأصبحت أكثر شعبية نظراً لصغر حجمها ودقتها في إعطاء الأنسولين خلال اليوم وقبل الوجبات، وهي أفضل طريقة لضبط مستوى الأنسولين عند استخدامه بطريقة صحيحة. يستخدم قياس سكر الدم في المنزل منذ أكثر من 15 سنة وقد غير في موازين الاعتناء بالسكر، ولقد وفرت الأجهزة الحديثة الكثير من الجهد والوقت لعمل قياس السكر في المنزل حيث يجب على المريض ان يقيس مستوى السكر في الدم عدة مرات في اليوم وأن يتبع النظام الغذائي لمرضى السكر، وتعتبر هذه الطريقة أفضل طريقة لضبط الجلوكوز في الدم. تنوعت الأجهزة الحديثة في الآونة الأخيرة وتطورت بشكل ملحوظ لدرجة أن المريض لا يحتاج إلى كميات كبيرة من الدم لفحص السكر بل إلى كمية صغيرة فقط من الدم وتظهر النتيجة في ثوان، كما أصبح هنالك قياسات للسكر تعمل بشكل مستمر مثل الأجهزة التي تقيس السكر كل خمس دقائق لمدة ثلاثة أيام ويمكن معرفة الأسباب التي تؤدي إلى ارتفاع وانخفاض السكر في الدم، غيرت هذه الأجهزة الكثير من علاج المرضى نظراً لاكتشاف حالات الارتفاع والانخفاض غير المعروفة السبب لدى المريض وقريباً ستكون هناك أجهزة تعطى للمرضى وتسمح لهم بمعرفة مستوى السكر في الدم في جميع الأوقات وتنبههم عندما يحدث ارتفاع أو انخفاض للسكر في الدم. سوف ترخص هذه الأجهزة خلال أشهر من الآن وعندما تكون هذه الأجهزة موجودة ستربط بمضخة الأنسولين بحيث يمكن السيطرة على الأنسولين بشكل أفضل. إن العلاج المثيل للنوع الأول هو تعويض الأنسولين الطبيعي أو بمعنى آخر زراعة خلايا البيتا. سيؤدي هذا العلاج إلى السيطرة على السكر بمستوى ضيق، ولقد باءت عدة أبحاث بالفشل خلال العقود المنصرمة ولو أنه لايزال بعيداً عن الروتين، إلا أننا في الوقت الحالي نواجه عدة مشاكل يجب التغلب عليها قبل أن يصبح هذا العلاج روتينياً، ومن أهم هذه المشاكل هي الموازنة بين المخاطر ومثبطات المناعة والفائدة التي ستجني من هذه الزراعة وهو سؤال لا يمكن الإجابة عليه الآن. ويتمحور العامل الثاني على تواجد خلايا البنكرياس بكمية مناسبة لكل مريض يحتاج إلى متبرعين، أما العامل الثالث فهو يعتمد على مدى نجاح هذه العمليات الذي قد يتراوح بين مركز وآخر، ويصل نجاح هذه العملية إلى 50٪ بعد ثلاث سنوات وهذا يعني ان نصف المرضى يحتاجون إلى علاج بحقن الأنسولين بعد ثلاث سنوات. لايمكن علاج هذه المشاكل على جميع المرضى لأن هذا النوع من العمليات صالح لعدد قليل من المرضى إلا أن هذا النوع من العلاج مازال تحت التجربة، هناك أمل كبير في إنتاج كمية أكبر من خلايا البيتا. ولكن هذا النوع من الأبحاث التي تجرى على الخلايا الجذعية لن يكون في متناول الجميع إلا بعد عشر سنوات من الآن. وحتى ذلك الوقت كل ما علينا عمله هو التقليل من مخاطر أو مضاعفات مرض السكري إلى الحد الأدنى، وهو أمر علينا تعلمه وتطبيقه بشكل صحيح لنجعل من فكرة بتر القدم أمراً من الماضي. ٭ استشاري الغدد الصماء والسكري