ابني الذي لم تلده زوجتي، أرثيك وأنا لا أعرفك، ولم أرك، وأجهل اسمك، ولكن كلماتك الأخيرة التي نشرتها إحدى الصحف المحلية في 26 شعبان 1435ه هيمنت على وجداني وضميري، فروحك قبل أن تصعد للسماء تذكرت أمك باعتبارك ابناً باراً لها، هذه التحية لأمك هي دليل على نقاوة نفسك ونبل سجاياك، وأنت ترقد على فراش الموت، كانت أمك هي آخر جملة لفظت بها قبل أن تفيض روحك الطاهرة إلى رب العزة والجلالة. لم تمت في حمأة المخدرات، ولم تمت في معاقرة خمر، وإنما ذهبت بحماس الشباب إلى لهو برئ يتمثل في امتطاء الصحراء بسيارتك التي شقّت الرمل وغباره، -حضن غرب تربة- فلم تتوفر لطاقات الشباب الجبارة سوى ولوج طريق التفحيط أو مصارعة كثبان الرمال، فلا أعرف لمن أوجه عتبي عن ضياع شاب مثلك في ربيعه العشرين، كان الوطن أحوج إليه في استحلاب قدراته وطموحه. المشاهد والمآسي الدموية العربية آلمتني أشد الألم، أما أنت يا ابني الفقيد فإن كلماتك: "سلموا لي على أمي" دفعت عيوني لكي تذرف عليك، وأنا رجل في الثالثة والسبعين من عمري، بكيت عليك كما بكيت آخر مرة قبل أربعين سنة على أمي، وقبلها على أبي فهذه التحية الأخيرة تعني تأسفك لمصيرك، ولم توجد لديك وسيلة لرؤية أمك إلا أن تبلّغها سلامك لكي تتذكر وفاءك ومحبتك لها. أي قلب بمقدوره الصمود تجاه هذه التحية الصادقة فلا يئن أنيناً مستمراً ويدفع العيون لكي تترجم هذا الأنين بكاءً على خسارة شاب نبيل؟ وتكفي التحية الأخيرة للبرهنة على طيبتك التي لا نظير لها. اللهم أنت غفور غفّار أدعوك أن تدخله تحت رحمتك الواسعة إلى جنات الخلد، هذا عبدك وابن أمتك، وأنت أرحم الراحمين، لقد أثنيت على نبيك عيسى بن مريم عليه السلام، الذي كان باراً بوالدته، فيا رحيم ويا حليم ويا عظيم ضع هذا الشاب في زمرة الشهداء والصديقين.