قال لها محتدا حينما حدثته عن سفرها: وحدك.. وحدك؟ تلعثمت. ولم تتوقع اتجاه السؤال. كانا مخطوبين منذ بضعة اشهر وحوارتهما الهاتفية مازالت في أوج فضولها وكما تود هي أن تفهمه كان هو في حالة قراءة متواصلة لعقلها ومفاهيمها. رجل ثلاثيني متفتح بكل ما هو عصري وشرقي في نفس الوقت، هكذا قالت أخته عنه ذات تعارف اجتماعي. وفي صباحات جميلة كان يسألها احيانا كما لو كان طفلا يلهو وهو يسابق رؤاها. ماذا حلمت بالامس"؟ وكان الضحك يداهمها رغما عنها يغمرها بدهشته فتردد السؤال حائرة وتشاغبه بمرح.. غير ان اجواء اللحظة الان تبدو جادة. تسافر او لا تسافر؟ تنفض الترقب وتخبره بان اخوتها هناك في البلد الاخر، وسوف يستقبلونها بالمطار.. ويجيبها بكلمة لا قاطعة. لا سفر بمفردك! تشكو لأهلها عناده وتوشك على تصعيد المسألة حينما تذكرهم بأنها خريجة جامعة أجنبية في الخارج وتعرف كيف تتصرف فكيف لا يثق بها لمدة خمس أو ست ساعات بالطائرة؟ تجذبها أمها بحنان ذات مساء وتحدث ابنتها عن فضيلة التفاهم وطاعة الزوج وكيف ان موضوع السفر قد يكون مزعجا بعض الشيء ولكنه شيء عابر و لا يحتمل التصعيد فالرجل طيب ويحبها ويخاف عليها فلتحكم على موقفه من هذه الجزئية على الأقل. وذكرتها "ان غيرته عليك يجعلك تبدين امراة خاصة وهذا لانه يراك ارفع مكانة.. اليس تقديره جميلا هنا؟" ثم إنها لا تنسى يوم ان دق باب بيتهم ذات مغرب رمضاني والاذان يرفع.. جالبا لها تلك الأكلة الحجازية التي تحبها.. وكيف أنه اعتذر عن دعوة والدها بتناول الفطور معه وعاد لبيته.. كم كان موقفه نبيلا؟ سكتت الفتاة وهي تفكر برؤية أمها ثم انتظرت مرافقة أخيها الأصغر حينما انتهت اختباراته كي يرافقها. وعندما تم الزواج وفي رحلة العودة من شهر العسل ذات صيف حل طيف الخلاف مرة اخرى حينما طلبت كأس ماء من مضيف الرحلة فغضب زوجها فجأة! "ماذا هناك؟ سألته برفق يخشى ان تتناثر خصوصية الموقف امام الركاب الآخرين. لم يجبها وبقي ينظر من نافذة الطائرة عابسا متجاهلا الحوار ولكن مع إلحاحها التفت وسألها بدوره" هل انا طرطور بجانبك او صورة؟ لما لا تسألينني؟ قالت بصوت ضعيف وكأنها تستجدي تفهمه "انه مجرد كاس ماء" قال "انت تقولين لي ماذا تريدين وانا اطلبه لك. هذه هي الاصول". تنهدت مستسلمة "الاصول.. ولكنها اثارت الموضوع مع صديقة طفولتها عندما ذهبت لتبارك زواجها هي الاخرى. وتبادلت الصديقتان حكاياتهما. وقالت لها الصديقة "يا بختك على هذا الزوج" "ماذا تقصدين" وكادت ان تضحك ظنا منها بان الصديقة تبالغ في مزحها. ولكن الأخرى اجابتها بنبرة جادة "ان زوجي المشغول لا يهتم بهذه الامور كثيرا بل يسألني لماذا ازعجه كل مرة اريد الخروج فيها للسوق او لاقاربي ويقول "لديك اذني دون ان تسألي" "جميل لعلك مرتاحة من موال الاسئلة" "تريدين الصراحة؟ تساءلت الصديقة وهي تنظر ساهمة "الحقيقة بأني لست مرتاحة تماما واشعر بان هناك فجوة ما.. ربما هي غربة بيئتي النفسية".