يصنف منتخب تشيلي على أنه من المنتخبات المتوسطة في العالم، وعندما يقع في مجموعة واحدة مع اسبانياوهولندا في كأس العالم فهذا يعني أن حظوظه في الوصول لدور ال16 ضئيلة، لكن أن يحجز له مقعداً في هذا الدور بعد أول جولتين ودون إنتظار للجولة الثالثة فهذا مؤشر على أن هذا المنتخب قدم عملاً كبيراً يستحق من خلاله أن نرفع له القبعة احتراماً وتقديراً، وهذا الأمر أيضاً يعطي دلالة على أن تلك الكتيبة التي فازت على بطل آسيا واكتسحت بطل أوروبا والعالم وأقصته من المونديال تمتلك أسلحة ثقيلة داخل المستطيل الأخضر، وعندما نتحدث عن منتخب تشيلي ومكامن القوة فيه فإن أول من يطرأ على بالنا هو لاعب وسط يوفنتوس الإيطالي فيدال الذي يُعتبر واحدا من عمالقة هذا المركز في العالم إذ تمكن من خطف الإعجاب خلال الأعوام القليلة الماضية وبات مطمعاً لعدد من الأندية العالمية التي دُهشت للمستويات التي قدمها مع "السيدة العجوز" ومنتخب بلاده. احتفل ارتورو ابراسمو فيدال باردو في ال 22 من شهر مايو بميلاده ال 27 إذ ولد في مدينة سنتياغو التشيلية عام 1987م، ومنذ أعوامه الأولى تنبأ "عمه" بموهبته الكروية فسجله في واحد من أعرق الأندية التشيلية وهو كولو كولو، وكان فيدال فأل خير على فريقه إذ حصد معه بطولة الدوري في أول مباراة رسمية يشارك فيها أمام يونيفرسيداد دي تشيلي عام 2006م، وفي ذات العام قدم فيدال مستويات كبيرة مع فريقه في بطولة أندية امريكاالجنوبية (كوبا سوداميريكانا) إذ سجل في تلك النسخة ثلاثة أهداف لفت بها أنظار الأندية الأوروبية، في الموسم التالي فرض فيدال اسمه وأصبح اساسياً في خارطة الفريق ونجح في قيادة كولو كولو للاحتفاظ بلقبه (2007م). شارك فيدال مع منتخب بلاده في كأس امريكاالجنوبية للشباب تحت 17 عاماً وظهر في تلك البطولة بمستويات عريضة توجها بلقب وصيف هداف البطولة بستة أهداف، كما قدم أداءاً مميزاً في كأس العالم للشباب سجل خلالها هدفين وتوج مع منتخبه بالبرونز، وكسب بعد تلك البطولة إعجاب مدرب بايرليفركوزن الألماني فولر الذي حرص على جلبه لفريقه، وهو ماتم فعلاً مقابل 11 مليون دولار، وكان الظهور الأول ل "المحارب" فيدال بشعار ليفركوزن مع هامبورغ في البوندسليغا في 19 اغسطس عام 2007م، من مباراة لأخرى أثبت فيدال بأنه يستحق أن يحتل موقعاً أساسياً في تشكيلة الفريق الألماني العريق، الألمان اعتمدوا عليه في خط الوسط فأصبح أحد أهم أوراق الجهاز الفني، في الموسم التالي وصل فيدال مع فريقه إلى نهائي كأس المانيا لكنه خسره أمام فيردر بريمن، وفي خامس مواسمه (2010-2011م) استطاع فيدال أن يساهم في منافسة فريقه على لقب البوندسليجا لكن ليفركوزن أنهى ذلك الموسم وصيفاً، واختير فيدال ضمن فريق نجوم الدوري الألماني في ذلك الموسم، كما أختير أفضل لاعب تشيلي. قدرات فيدال الفنية ومستوياته الكبيرة في آخر موسم له مع ليفركوزن جعلت مسؤولي بايرن ميونيخ يدخلون في مفاوضات قوية معه لكسب خدماته، إلا أن يوفنتوس الإيطالي دخل على الخط وقدم له عرضاً يفوق العشرة ملايين دولار، واختار فيدال أن تكون ايطاليا هي محطته الثالثة بعد كولو كولو التشيلي وبايرليفركوزن الألماني. يوفنتوس وجهاً لوجه مع بارما في الدوري الإيطالي، الأسطورة ديل بيرو يغادر الملعب والوافد الجديد فيدال يدخل بديلاً، لم تمر ست دقائق إلا وفيدال يسجل ثالث أهداف اليوفي في شباك بارما وانتهت تلك المباراة بالفوز 4-1، لن تكون هنالك بداية أجمل من هذه للمحارب التشيلي، كسب ثقة كبيرة وهو يلعب إلى جانب أفضل لاعبي الوسط في العالم، قص تذكرة عبوره لأنصار "السيدة العجوز" بهدفه في أول مشاركته، كل ذلك جعله يسخر كل إمكانياته حتى يصبح من ركائز اليوفي خصوصاً وأنه يدرك بأن الأمور في الفريق الأبيض والأسود ليست كما كانت عليه في كولو كولو وليفركوزن، واحسن فيدال صنعاً في أول مواسمه إذ ساهم في تتويج اليوفي بلقب الدوري الإيطالي دون أن يتعرض لأي خسارة كما أسهم في تتويجه بكأس السوبر الإيطالي، وسجل في ذلك الموسم سبعة أهداف كما صنع ثلاثة، أوروبياً سجل فيدال حضوره في دوري أبطال أوروبا مع تشيلسي إذ سجل أول اهدافه، ماقدمه فيدال في ذلك الموسم أثمر عن اختياره أفضل لاعب في العام من قبل جماهير يوفنتوس وذلك خلال الاستفتاء الذي طرحه الموقع الرسمي. يقول مدرب يوفنتوس كونتي: "أجد نفسي في فيدال، كنت املك الميزات ذاتها عندما كنت لاعباً، هذا النوع من اللاعبين لا يبحث عن الظهور لكنه غالباً ما يعمل في الظل ويكون فاعلاً جدا لفريقه"، فيدال من عينة اللاعبين الذين يعشقون لغة التحدي، يصارع طوال ال 90 دقيقة، يقوم بأدواره الدفاعية ويصنع الكرات الجميلة للمهاجمين، ولا مانع من أن يسجل ويهز شباك الخصوم، هو من اللاعبين القلائل الذين يجمعون بين الإمكانيات الدفاعية والهجومية على حد سواء، ومما لا شك فيه أن تواجده إلى جوار لاعب بحجم بيرلو واحتكاكه به في التدريبات أكسبه مزيداً من الإمكانيات والقدرات. في موسم (2012-2013م) أعاد فيدال لأذهان الطليان الأسطورة اينزاغي عندما تمكن من تسجيل هاتريك في شباك كوبنهاجن في دوري أبطال أوروبا، هدفان من ركلتي الجزاء والثالث من كرة راسية، لم يفعل مثل ذلك في اليوفي إلا انزاغي عام 2000م، وفي ذلك الموسم لعب فيدال دوراً كبيراً في احتفاظ اليوفي بلقبي الدوري الإيطالي وكأس السوبر، وفي الموسم الماضي واصل فيدال مشواره الذهبي مع يوفنتوس إذ حقق معه لقب الدوري الإيطالي للمرة الثالثة له وال32 في تاريخ الفريق الإيطالي العريق. فيدال تحامل على نفسه في الموسم الماضي مع اليوفي ولعب آخر الجولات وهو يعاني من إصابة في ركبته، بيد أنه قاتل وتحامل على نفسه وإصابته حتى يساهم في تتويج فريقه بالدوري، وتسبب ذلك في تأخر جاهزيته لخوض غمار مونديال البرازيل ولم يكن جاهزاً بما فيه الكفاية بعد العملية التي أجراها في الركبة، ذلك أدخل اللاعب وناديه والاتحاد التشيلي في إشكالية كبيرة، اللاعب يريد المشاركة في كأس العالم والمنتخب بحاجة إلى خدماته لكن اليوفي متخوف من أن يضغط اللاعب على نفسه فيخسره في الموسم المقبل، ظل فيدال يصارع الزمن وحصل على موافقة من اليوفي على المغادرة لبلاده واستكمال علاجه هنالك، فيدال يقاتل للعب ومدربه الأرجنتيني سامباولي يصرح: "أشعر بدهشة كبيرة للتطور الإيجابي الذي طرأ على حالة فيدال، لقد بدأ في التدرب بالكرة في بعض الفترات، إنه يتمتع بقدرات بدنية وذهنية فائقة، ولهذا أعتبره من أفضل لاعبي وسط الملعب في العالم"، مسؤولو ومدرب اليوفي متخوفون من ذلك ومستاؤون من طريقة تعامل الجهازين الطبي والفني لمنتخب تشيلي مع إصابة فيدال إذ بعثوا بذلك رسمياً للاتحاد التشيلي، فيدال تنفس الصعداء بعد أن منحه الجهاز الطبي الضوء الأخضر للمشاركة في مباراة استراليا الافتتاحية، شارك "المحارب" وقاد منتخبه للفوز وتحقيق أول ثلاث نقاط، المدرب سامباولي فضل اراحة فيدال بعد ربع الساعة الأولى من الشوط الثاني، فيدال تواجد أيضاً في مباراة اسبانيا وكان أحد أبرز الأوراق التي استفاد منها المدرب وقادته لحسم التأهل للدور الثاني. هذه المشاركة الثانية لفيدال في كأس العالم، إذ تواجد في جنوب افريقيا وشارك في مباراة دور ال 16 مع البرازيل والتي خسرها منتخب تشيلي صفر-3، ذات السيناريو قد يتكرر في النسخة الحالية فخسارة تشيلي اليوم أو تعادلها مع هولندا تعني أنه سيكون وجهاً لوجه مع البرازيل في ذات الدور وهو مايخشاه تشيلي إذ سيبحث هذا المنتخب عن الابتعاد عن ملاقاة المستضيف، يقول فيدال: "اننا فريق انتحاري، سنتقدم في هذا المونديال حتى نصبح مثار حديث الجميع، أتمنى أن نتوج باللقب". منتخب تشيلي كان مستبعداً من توقعات النقاد والمحللين وحتى الجماهير الرياضية من تحقيق كأس العالم 2014م بل أن الأغلبية منهم توقعوا مغادرته البطولة من دور المجموعات، إلا أن كل من يفهم في كرة القدم غير رأيه بعد أول مباراتين في المونديال خصوصاً بعد الفوز التاريخي على اسبانيا، فهذا المنتخب الطامح لوضع بصمته في هذه النسخة بإمكانه أن يسير بعيداً في البطولة، ويبقى فيدال إحدى الأوراق المهمة التي تعول عليها جماهير تشيلي في أن يكرس كامل امكانياته لمصلحة المنتخب وأن يحقق معه نتائج إيجابية فكرة القدم عوّدتنا على أنها تخدم من يخدمها ولا تعترف بكبير ولا بصغير وأقرب مثال على ذلك منتخبا اسبانيا وانجلترا اللذان ودعا المونديال باكراً.