تأخرنا كثيراً في مواجهة ظاهرة الغش التجاري، وتحديداً المواد الكهربائية المقلدة والرديئة، ودفعنا ثمناً باهظاً من أرواحنا، وممتلكاتنا، بعد أن حانت «ساعة القدر المكتوب» وقبله «ساعات طويلة من الإهمال والغش والتدليس»، حيث أشعل التماس كهربائي المكان وتركه رماداً، ودخاناً أسود طبع على وجوه أصحاب الجشع والطمع والمتاجرة بحياة الناس ومآسيهم. مفاتيح ومقابس الكهرباء المغشوشة لا تزال تنتشر في السوق من دون رقيب، ولا حسيب، ولا أكثر من ذلك «حكيم» يدعو إلى بصيرة من الوعي المجتمعي، والتنسيق الحكومي المسؤول، والشراكة مع القطاع الخاص، حتى وصلنا اليوم إلى فوضى لا يحكمنا فيها تشريع، ولا منافسة عادلة، ولا عقوبات تشهير، ولا حتى ثقة بين الوكيل والعميل. لا نبالغ إن تحدثنا عن خسائر بشرية ومالية كبيرة في السوق بسبب المواد المغشوشة والمقلدة، ولا نقلّل مطلقاً من جهودٍ حكومية تُبذل حالياً لاحتواء ما يفترض أن يكون وليس ما هو كائن، ولا نتردد في تحميل أنفسنا مسؤولية شراء تلك المواد من دون أن نقاطع أو نكاشف بعضنا على حقيقة ما تحتويه من خطر؛ ولذا لم يعد أمامنا إلاّ أن نختار ما نثق به من منتجات كهربائية، خاصة تلك المقابس والمفاتيح ذات المواصفات المعتمدة في الشكل، والجودة العالية في التصنيع، مهما كان الفارق المادي؛ لأن سلامتنا وسلامة أولادنا لا يعادلها مال، ولا يُقبل منها عذر مع وجود المنتج الأفضل والآمن في السوق. «الرياض» تتناول في تحقيق موسع ضحايا المواد الكهربائية المغشوشة والمقلدة. حماية المستهلك في البداية شدّد العميد "عبدالله الشغيثري" -مدير إدارة السلامة في المديرية العامة للدفاع المدني- على خطورة المفاتيح والمقابس والتوصيلات الكهربائية المغشوشة في السوق، واصفاً إياها ب"الموت المحقق"، معترفاً بأنها أحد أبرز الحوادث المنزلية التي سجّلت معها أعداداً كبيرة من الوفيات وإصابات الحروق من مختلف الدرجات، مبيناً أن المواد المغشوشة هي من الأمور المقلقة للدفاع المدني، رغم الجهود الكبيرة للتوعية والوقاية من مخاطرها في المجتمع. وقال إنّ مشكلة المفاتيح والمقابس والتوصيلات تكمن في عدم الالتزام بالمواصفات والمقاييس المعتمدة، عادها الرقم واحد في مسببات الحرائق على مستوى المملكة بنسبة تصل إلى (80%)، مستشهداً بعدم تحمّل المنتجات الرديئة للحرارة، وبالتالي يحدث الحريق وقد يمتد على مساحات واسعة من المكان، مضيفاً أنّ التوصيلات والمقابس الكهربائية تأتي بطريقتين: إما مصنعة محلياً أو تكون مستوردة، متأسفاً من أن معظم المنتجات المستوردة تصل إلينا بمواصقات ومقاييس غير معتمدة، محملاً وزارة التجارة والصناعة مسؤولية ما يحدث حالياً في السوق، إلى جانب مسؤولية الجمارك في فحص السلع والتأكد من المواصفات قبل دخولها إلى المملكة، كما أنّ على الجهات الحكومية المعنية مسؤولية كبيرة في حماية المستهلك، والتصدي لمنع دخول أو تصنيع ما يمكن أن ينتهي بضرر على المواطن والمقيم، كما أنّ الأمر مرتبط بالمسؤولية الأخلاقية لدى التجار وموردي البضائع، ومدى تصورهم لضررها على مستخدميها. العميد الشغيثري: (80%) من الحرائق بسبب الكهرباء والتوعية وحدها لا تكفي من دون تكاتف الجميع وأضاف العميد "الشغيثري" أنّ حوادث المقابس والتوصيلات ناتجة عن زيادة الأحمال الكهربائية، مع جهل البعض بمدى تحمل المقبس والتوصيلة وقدرتهما على تشغيل أكثر من جهاز في آن واحد، رافضاً أن يكون السعر هو المقياس في شراء الأدوات الكهربائية، مفترضاً النظر للجودة والمواصفات قبل شراء أي منتج متعلق بالكهرباء، موضحاً أنّ المواصفات المحلية والعالمية موجودة، ولكن المشكلة في انتشار البضاعة الرديئة. وأشار إلى أنّ وزارة التجارة عليها تبني مشروعاً مثيلاً لمنع أجهزة التكييف الرديئة والمكلفة للطاقة، من خلال منع انتشار التوصيلات والقوابس الرديئة التي تؤثّر على سلامة الناس، كما أنّ الجمارك يجب عليها تطبيق المواصفات بدقة، والعمل على منع دخول المخالف منها إلى المملكة. واقع مخيف! وقال العميد "الشغيثري" إنّ الأجهزة الكهربائية عبارة عن تجهيزات فيزيائية وكيمائية تعمل على الفائدة التي من أجلها صُنع الجهاز، وأحياناً تحتاج إلى صيانة تكون علاماتها ظاهرة وواضحة للمستخدم، وفي الغالب تكون هي حامية لنفسها بنفسها، لكن المشكلة تكمن في عدم تحمل التمديدات لهذه الأجهزة، بالإضافة إلى سوء الاستخدام بتوصيل أكثر من جهاز مستهلك للطاقة في قابس واحد، مضيفاً: "للأسف الآن الناس تستهين بموضوع شبك التلفزيون، والرسيفر، والشاحن في قابس واحد، رغم أن الحل سهل بمعرفة عدد الأجهزة المراد استخدامها، وتمديد قابس من الشبكة الأصلية"، موضحاً أنّ ذلك يسهل الاستغناء عن القوابس والتوصيلات، التي فيها أضرار قد لا تحمد عقباها، مشيراً إلى أن التمديدات وصلت إلى تحت الفرش، والدواليب، والأسّرة، معتبراً أنّ الأمر مخيف جداً، ولو أدرك الجميع هذه المخاطر لما عمدوا إلى هذه التمديدات، مستدركاً: "لكن الإنسان على نفسه بصيرة، ولا نملك إلاّ التوعية والإرشاد والناس مسؤولون عن أنفسهم وسلامتهم بالمقام الأول، وعلى الرغم من ذلك، إلاّ أنّه يجب علينا أن نفيدهم أنّ مستوى السلامة الكهربائية يتوقف على قرار البعد عن المنتجات المغشوشة". وأضاف أن الدفاع المدني يسعى للتواجد في كافة شبكات وبرامج التواصل الاجتماعي لإيصال المعلومات التوعوية للمواطن والمقيم، مشدداً على ضرورة أن يكون لدى التجار حس بالمسؤولية تجاه المستخدمين، وعليهم أن يتقوا الله فيهم ويبتعدوا عن بيع المنتجات المقلدة والرديئة. زيادة أحمال ولفت العقيد "خالد بن محمد الغيهب" -مدير شعبة السلامة في إدارة الرياض- إلى أنّ من أهم أسباب الحرائق زيادة الأحمال على التوصيلات والقوابس الكهربائية، حيث يعمد رب الأسرة لتحميلها ما لا تحتمل في المنزل، وهي في الأساس رديئة الصنع أو مقلدة، فمثلاً يجمع ال"رسيفر" و"التلفزيون" و"شاحن الجوال" و"المسرح المنزلي" و"البلايستيشن" مع بعضها؛ لذلك تحدث زيادة الأحمال ويكون الحريق. ضحايا الكهرباء وأشار المقدم "محمد علي الشهري" -مدير شعبة التحقيق في مديرية الدفاع المدني بالرياض- إلى أنّ ضحايا حوادث الكهرباء كُثر، سواء بسبب عدم تحقق الأمان المطلوب عند استخدامها، أو لعدم جودة المقابس والمفاتيح والتوصيلات الكهربائية. وقال:"في أحد الأيام خرج رب الأسرة لزيارة أقرب مصرف للمنزل، وقبل ذلك شغّل مكيّف الصالة ليجدها باردة حين يعود إليها، لكن المفاجأة أنّ التماساً كهربائياً حدث في أحد القوابس المقلدة الموجودة أسفل الجبس على سقف المنزل؛ مما تسبب في حريق المنزل، ولأنّ الجميع نائم لم يشعروا بشيء إلاّ بعد فوات الأوان، فقد انتشر الحريق في أرجاء الدور السفلي، وزاد من انتشاره كون الصالة مليئة بالأثاث سريع الاشتعال، وأصبح عائقاً أمامهم يمنعهم من الخروج، حيث لا يوجد أي مخرج من الفيلا إلاّ الذي يمر عبر الصالة المشتعلة، وباب السطح قد أغلقته الأسرة خوفاً من هرب الخادمة، وبعد مضي وقت استطاعت ثلاث فتيات من الخروج للسطح برفقة رجال الدفاع المدني، فيما توفيت الأم والابن والخادمة". وأضاف المقدم "الشهري" أنّ قصص الحوادث الناتجة عن المواد المغشوشة والمقلدة كثيرة ومؤلمة، ومنها ما ذهب ضحيته أم وابناها وبنتاها، حيث نشب حريق في مستودع صغير في ارتداد الفيلا الخلفي، وتسرب أدخنة كثيفة إلى داخل المنزل عبر المطبخ، ومع تأخر ورود البلاغ للدفاع المدني قضى جميع من في المنزل؛ بسبب ماس كهربائي في قابس مقلد ورديء الصنع داخل المستودع المسقوف بالهنقر "الزنك". آليات الدفاع المدني تباشر حريق التماس كهربائي بسبب عدم تحمل المقبس المقلد للحرارة المقابس والمفاتيح المغشوشة والمقلدة تنتهي الى كارثة داخل المنزل العميد عبدالله الشغيثري العقيد خالد الغيهب المقدم محمد الشهري