فيلم مايك لي "السيد تيرنر" Mr. Turner هو سيرة ذاتية للفنان البريطاني المعروف جوزيف مالورد ويليام تيرنر (ولد عام 1775م وتوفي عام 1851م)، الملقب ب "رسام الضوء" والشهير برسومات الطبيعة وخاصة البحرية منها. وقد ذكر الممثل تيموثي سبال في المؤتمر الصحفي، بعد فوزه بجائزة أفضل ممثل في مهرجان "كان" مؤخراً عن هذا العمل، أن الفيلم قد بدأ التفكير به بشكل جاد منذ ثلاث سنوات ولذلك فقد تدرب على الرسم لمدة سنتين بطلب من المخرج مايك لي، قبل البدء في تصويره. وكانت عودة مايك لي للمهرجان موضع ترقب من النقاد، فهو مخرج إنجليزي متمكن ذو أسلوب خاص في الإخراج يعتمد فيه على كتابة الفيلم أثناء عمل بروفات فيها خطوط عريضة فقط للقصة والشخصيات، وباستيعاب الممثلين للشخصيات وتقمصهم لها، يكتب الفيلم أثناء ارتجال كثير من المشاهد التي تصنع أحداث الفيلم. طريقة خاصة جداً يعتمد فيها المخرج بشكل كبير على احترافية الممثلين ومشاركتهم الكاملة في العمل، لكن من يشاهد أفلام لي لا يشعر بهذا، ومن يشاهد فيلم "السيد تيرنر" تحديداً لا يتوقع أبداً أن يكون هذا العمل قد تم تنفيذه بهذه الطريقة، فالعمل يبدو مدروساً بكل تفاصيله، ولذلك فهو كثيراً ما يعمل مع ممثلين سبق له أن تعامل معهم ويفهمون أسلوبه تماماً ومنهم تيموثي سبال الذي سبق أن شارك في أعمال مع لي منها فيلم "أسرار وأكاذيب" وفيلم "كل شيء أو لا شيء". يبدأ الفيلم بسرد سيرة تيرنر بعد شهرته وهو في منتصف العمر، من دون تحديد سنة معينة مروراً بانتقاله من الانطباعية إلى ما بات يعرف فيما بعد بالتجريدية، حيث عانى حينها عدم فهم ما حاول تجديده، ثم حزنه على قصور النظرة إلى أعماله، وحتى وفاته. نرى في البداية تيرنر وعلاقته القوية جداً بأبيه الذي يعيش معه، ثم علاقته غير الإنسانية مع زوجته السابقة وابنتيه، وهنا تكمن قوة السيرة الذاتية التي تقدم الشخصية بكل أبعادها وخاصة من خلال علاقاته النسائية. وقد كان واضحاً من الفيلم أن تيرنر لا يأبه بشيء إلا فنه، ولم يكن جيداً في التواصل مع الآخرين، وكان الدور يتطلب كثير من سبال في إيضاح مشاعره الكامنة في مواقف مختلفة من خلال آدائه خاصة أن لي لم يكن يلجأ كثيراً في الفيلم للقطات قريبة. وكان تيرنر، كما يبدو في الفيلم، مأخوذاً بالطبيعة ولذلك فقد كان دائماً ما يقضي كثيرا من وقته خارج المنزل يرسم استكشات للوحاته، وكان لي يحاول التعبير عن هذه الحالة الفنية بمجاراتها بكاميرته حيث حفل الفيلم بصور طبيعية خلابة وضعتنا بشكل مباشر كمشاهدين في حالة من التأمل كتلك التي عاشها تيرنر متأملاً الطبيعة لرسمها. كما أن التصوير كان في أغلب المشاهد عبارة عن لقطات متوسطة وعامة وبذلك فقد كان لي يحاول وضعنا في سياق الحياة التي عاشها تيرنر بشكل كامل. لم يكن مايك لي في أفلامه السابقة يركز في شخصية معينة، فقد كانت أعماله تحفل بالعديد من الشخصيات وخاصة الشخصيات البسيطة، وكانت تبدو في كامل بساطتها وعفويتها، وجوه معبرة عن الحياة البريطانية وصعوبات الحياة، وليس هناك أي شيء مبهر أو لامع، وإنما الحياة ووجوه مرهقة ومتعبة، يشعر من يشاهدها أنه قد مر بهم في الشارع، وكانت نفس الوجوه أيضاً موجودة في هذا الفيلم. وهو بهذا الشكل بعيد عن تلك الأفلام التاريخية التي تحمل شكلاً خاصاً وألقاً في أزيائها وديكوراتها وأشكال النساء فيها. هنا يحتفظ مايك لي بطريقته المعتادة ليعبر عن هذه المرحلة التاريخية تاركاً لنا بصمته، لكن ما غاب هنا هو تنوع الشخصيات التي كانت تحفل بها أفلامه، فنحن هنا لا نرى إلا سبال وقد اختفى تحت ثياب تيرنر. مساحة كبيرة احتلها سبال بجدارة، فقد كان في حالات كثيرة يصدر أصواتاً تعبر عن انفعال مكبوت، وبذلك فقد جعلنا نشعر بأن هناك شيئا ما يحدث في داخله، كما في المشاهد التي تلت وفاة والده التي كان من الواضح فيها تأثره من دون أي كلام أو مساعدة من المخرج بلقطات قريبة سوى أداء استثنائي من سبال، جعله الفائز بجدارة بجائزة أفضل ممثل في مهرجان "كان"، ومن المتوقع جداً ترشيحه لأفضل ممثل في جوائز البافتا كما من المتوقع أن يتصدر الفيلم ترشيحات الأكاديمية البريطانية لأفضل فيلم بريطاني وأفضل تصوير وأفضل مخرج. لقطة من الفيلم