كتاب النساء في التراجم الإسلامية تأليف (روث رودد) وترجمة د. عبدالله العسكر وصادر عن دار جداول، يشتغل في منطقة الظل وهي منطقة غائبة ومتنحية عن العمل البحثي لدينا، وهذا بالتأكيد الذي يمنح هذا الكتاب أصالته وتفرده كونه يتقصى ويتتبع تاريخياً حضور النساء وأدوارهن في كتب السير والتراجم. ونعرف أن كتب السير والتراجم ارتبطت بعلم الحديث والرواة وقوانين الجرح والتعديل كفرع معرفي من شجرة علوم الحديث، والباحثة الأمريكية (رودد)هي فقط لاترصد أسماءهن، ولكن تتبع الأسباب التي جعلت كتبة التاريخ من الرجال يختارون نساء بعينهن أي تحلل القيم والأدوار التي كانت تقوم بها النساء والتي جعلت المؤرخين يختارون أسماء بعينها، وكما يذكر المترجم في مقدمته (مؤلفة هذا الكتاب د. رودد قامت بدراسة طويلة ومضنية لتراجم النساء من أجل رصد الانطباع الذهني عن النساء في المجتمع الإسلامي، على مدار القرون السبعة الهجرية الأولى). والمؤلفة تعمل عبر التحليل الكمي في المنطقة الغامضة مابين وجهتي نظر ترى الأولى أن النساء كن مضطهدات في المجتمع الإسلامي بينما ترى الثانية أن الإسلام منح المرأة مكانة لا نظير لها. وكانت النتائج التي توصلت لها المؤلفة مدهشة نوعاً ما، فمن بين كتب للسير والتراجم لم يأت بها ذكر للنساء على الإطلاق، إلى مجموعة أخرى من كتب التراجم كان نصيب النساء بها مايوازي 23% من محتوى الكتاب. ومن الأشياء المهمة التي لاحظتها المؤلفة هو انخفاض نسبة النساء في كتب التراجم بصورة كبيرة ابتداء من القرن التاسع الهجري، وإن كانت هي لم تفسر هذه الظاهرة، أو توجد لها تبريرا، فأعتقد أنه في القرن العاشر الهجري اكتمل تموضع المجتمعات الإسلامية في المدينة، ومن هناك أصبح الفضاء العام ذكوريا وتقهقرت النساء إلى الحرملك الفعلي أوالمتصور بعد أن اكتمل نقل بروتوكولات الحرملك من الفرس والروم. على حين إنها بمراجعة (طبقات ابن سعد، والاستيعاب لابن عبدالبر، والإصابة للعسقلاني) قد رصدت 1232 صحابية في مرحلة فجر الإسلام، هذه المفارقة في الحضور الكبير لعدد الصحابيات ومن ثم تقلصه، تجعلنا نتأكد بأن هناك احتلالاً للمساحات التي كانت تشغلها المرأة في فجر الإسلام، وفكر فقهي متطرف كان يسعى إلى كفكفتها باتجاه الظل والهامش الذي تقبع فيه الجواري وليس الحرائر. أيضاً من النتائج المهمة التي توصلت لها الباحثة والتي اتفق بها معها هي قولها (إن هناك جهداً استرجاعياً قوياً في الثقافة الإسلامية، والتجديدات غالباً مايجرى تقديمها كعودة إلى ماضي مثالي، وتتحول التجديدات إلى تقاليد ترتبط بالعصر الذهبي، حيث يقارن كتاب السير التقليديون النساء الشهيرات اللائي أدرجوهم في كتاباتهم بنساء حققن إنجازات مماثلة في الماضي، والنساء اللائي شاركن في معارك شهيرة يتخذن نماذج للاحتجاج لضرورة وجود دور أكثر فاعلية لنساء اليوم، كما يجري التذكير بالحاكمات المسلمات كدليل على مشروعية تولي النساء لمنصب سياسي). الكتاب مهم ومادته التاريخية دسمة وممتعة في الوقت نفسه، كونها تشتمل رؤية بانورامية شمولية على تاريخ النساء المسلمات، في القرون السبع الأول. كم كنت أتمنى أن يقوم بهذا النوع من الإصدارات الجديدة باحثات محليات من اللواتي يملئن كليات العلوم الشرعية لدينا، وينقبن في المناطق المهمة التي تتعلق بالمرأة وحضورها في الفضاء العام داخل المدينة المسلمة، لكنهن مع الأسف خضعن للجوقة المتطرفة التي تمارس عملية التغييب والطمس ضد بنات جنسهن..