يأتيني بين الفينة والأخرى مريض يعاني من ألم جراحي معين يؤذيه وينغص عليه حياته ويريد التخلص منه ويسأل عن الحل وعندما أخبره بعد أن أفحصه سريرياً وأنظر إلى نتائج أشعته وفحوصات المختبر خاصة، أن علاجه يتطلب إجراء عملية جراحية عندها يسأل المريض هل ستتم العملية بالطريقة التقليدية أم بالليزر. وعندما أسأل عما يعرفه عن الليزر فإنه يقول إنه أحسن لأنه سمع ألا ألم مع الليزر...... فهل هذا الكلام صحيح؟! قام اينشتاين في سنة 1917 بوضع النظرية الاساسية في رسالته (The Quantumtheory of radiation) والتي تبلورت لتصبح اساس الدراسات اللاحقة لإنتاج الليزر والميزرLASER & MASER وذلك عن طريق اعادة اشتقاق معادلة الانبعاث للعالم ماكس بلانك. كلمة الليزرالإنجليزية تعني تضخيم الضوء المنبعث من الإشعاع الكهرومغناطيسي المُحَفّز وهو اشعاع ذو فوتونات متساوية في التردد ومتطابقة في الطور الموجي تتداخل تداخلا بناءً بين موجاتها لتتحول إلى نبضة ضوئية ذات طاقة عالية وشديدة التماسك زمانيا ومكانيا. فهذه النبضة الشعاعية الليزرية تشبه عند انطلاقتها الكتيبة العسكرية حيث يتقدم جميع العسكر بخطوات متوافقة منتظمة يأتمرون بأمر آمر الكتيبة الذي يوجههم كيفما شاء. استغرق الليزر أعواما طويلة لكي يصبح من ضمن أدوات العلاج الهامة فلم يتمكن العلماء من تطبيق نظريّته إلا أوائل الستينات 1964م. إنني متأكد أن أينشتاين لم يدر في خلده أن هذه النظرية ستؤدي يوما ما لهذا المنتج الذي غير حياة الإنسان في نواحٍ كثيرة جدا على مستوى الاقتصاد، والصناعة، والغذاء، وأهم من هذا كله على مستوى الصحة البدنية. فقد انتظرت البشريّة عقداً آخر قبل أن يطبق هذا الاكتشاف الهائل على الجسم البشري، فقد أضحى الليزر أداة طبية متزايدة الأهمية، حيث ان المشارط الضوئية تستخدم في معالجة خلايا منفردة أو أعضاء كاملة، لقدرتها على الانتقاء الفائق، أكثر من كونها مجرد أدوات تقطع أي شيء تصادفه، وتلك الخصوصية هي التي تسمح لأشعة الليزر بالنفاذ إلى داخل خلية ما، أو عضو معين، في حين يبقى ظاهرهما سليماً، وهو ما لا يستطيعه أي مشرط جراحي آخر. ومن هنا دخل الليزر في أنواع كثيرة من العلاج فكان مبضعاً (مشرطاً) سحرياً بيد الجراحين والأطباء قادراً على شق الأنسجة الحية بدون إسالة دم وبدون أن يسبب كثيراً ما الألم، بدءا من تصحيح الإبصار وحتى تنعيم سطح الجلد للتخلص من التجاعيد وكذلك إزالة الوحمات والندبات. يعطى اسم الليزر لأي مادة سائلة أو صلبة أو غازية أو الكترونية يتم استخدامها لإصدار ذلك الضوء السحري. يتم حالياً استخدام أنواع عديدة من الليزر في مجال الطب والعلاج، ويعمل المختصون باستمرار على اختبار أنواع جديدة أخرى. ويشيع استخدام ثلاثة أنواع من الليزر في علاج السرطان: ثاني اكسيد الكربون (Co2)، والأرجون والنيوديميوم: اتيريوم الالمنيوم المرفع (Nd:YAG). ينفذ ليزر الأرجون إلى الطبقات السطحية من الأنسجة فقط، وهو مفيد في علاج المشاكل الجلدية وجراحة العيون. ويستخدم هذا النوع من الليزر أحياناً أثناء تنظير القولون (فحص الكشف عن سرطان القولون)لإزالة الزوائد النامية قبل ان تتحول إلى سرطان. ويمكن استخدامه مع الأدوية الحساسة للضوء لقتل الخلايا السرطانية فيما يعرف بتقنية العلاج الضوئي (PDT). قادر على شق الأنسجة الحية بدون إسالة دم أحدث جهاز ليزر غاز الكربون ضجة كبرى لدى الجراحين، لأن الماء يمتص موجته الضوئية بكاملها ومتحولاً لبخار ماء ذي ضغط مرتفع. ومن المعلوم أن نسبة الماء في الخلية الحية تتراوح ما بين 75% - 90% من محتوياتها. لهذا سيكون ضغط بخار الماء فيها مرتفعاً جداً عند تعريض تلك الخلية لشعاع ليزر. مما يسبب انفجارها وتلاشيها. وكل ذلك في أقل قدر ممكن من الأذى للأنسجة الطبيعية المجاورة. ويساعد في ذلك أيضاً أن الخلايا السمراء (السرطانية) تمتصها وتتحلل بها. وقد لجأ الأطباء مؤخراً إلى حقن المنطقة المصابة بالورم السرطاني بمواد يتحرر منها الأوكسجين حال تفاعلها مع تلك الأشعة. وهذا بدوره يساعد في حرق الخلية السرطانية وإزالتها. وجد الأطباء منفعةً وأهميةً من استخدام الليزر في عمليات إزالة سرطان عنق الرحم الجراحية عند النساء، بحيث باتت تلك العملية وكأنها تقليم أظافر لسهولتها الكبيرة. نال علم جراحة القولون والمستقيم وأمراض الشرج نصيباً من هذا التطور العلمي الطبي الصناعي. فاليوم هناك أمراض عدة يتم علاجها باستخدام الليزر مثل النواسير الشرجية والعصعية والبواسير. إلا أن هذه العمليات تعتبر حديثة ولا يوجد عليها دراسات كثيرة يمكن الركون إليها. ومن خلال خبرتي وملاحظاتي التي رأيتها على المرضى الذين عولجوا بهذه الطريقة أنهم أكثر رضا بنتائج هذه العمليات وأن معاناتهم وألمهم كان أقل من أولئك الذين تم علاجهم بالطرق التقليدية. هناك-أخي القارئ-ايجابيات وسلبيات لاستخدام الليزر. مزايا الجراحة عن طريق الليزر: تعتبر أشعة الليزر أكثر دقة من المشارط العادية؛ فهي، على سبيل المثال، أقل مساساً بالجلد والأنسجة، وبهذا فالمناطق المحيطة لن تتأثر بشق الليزر. تساعد الحرارة الناتجة عن أشعة الليزر على تعقيم الأنسجة عند حواف الجرح؛ مما يقلل من خطر العدوى. بما أن الحرارة المنبعثة من الليزر تساعد على اغلاق الأوعية الدموية لذا فإن ذلك يحدث نزيفا أقل، وتورما أقل، وألما أقل وندبا أقل والشفاء منه أسرع ووقت النقاهة أقصر. وقت العملية أقصر من الجراحة التقليدية. احتمال تضرر الأنسجة السليمة المحيطة للعملية أقل في جراحة الليزر (تقتصر على الموقع الهدف وتكون أقل توسعاً من الجراحة التقليدية). على سبيل المثال، عند استخدام الالياف البصرية يمكن تسليط أشعة الليزر على أجزاء من الجسم عبر شقوق في غاية الصغر دون الحاجة إلى إجراء شق كبير كما في الجراحة العادية. يمكن القيام بإجراءات أخرى عديدة خارج المستشفى في المراكز والعيادات الخارجية. غالباً ما يكون زمن الشفاء أقصر في عمليات الليزر. هناك إيجابيات وسلبيات لاستخدام الليزر أما عيوب الجراحة عن طريق الليزر: عدد الأطباء والممرضين المدربين على استخدام الليزر قليل نسبياً ان المعدات الخاصة بعلاج الليزر ذات تكلفة عالية كما انها ضخمة الحجم وتحتاج الى مساحة كبيرة مقارنة مع أدوات الجراحة التقليدية. لكن التطور المستمر في العلم والتكنولوجيا يساعد، ولو ببطء، على تقليل حجم وكلفة هذه المعدات. يجب الالتزام باحتياطات السلامة الشديدة في غرفة العمليات عند استخدام الليزر. على سبيل المثال، على المريض وكافة أفراد الطاقم الطبي ارتداء واقٍ للعين أثناء العملية. بعض نتائج الليزر لا تدوم طويلاً، لذلك قد تحتاج إلى تكرار. وأحياناً لا يمكن لليزر إزالة الورم كاملاً في جلسة واحدة وتكون هناك حاجة إلى جلسات متعددة. ولكي أجيب على سؤالي الذي بدأته في البداية، فلتعلم عزيزي القارئ أن أقل من 20% من الأمراض الجراحية تعالج في وقتنا الحالي بهذه الطريقة وانني متأكد بأن الأيام حبلى بما فيها وأنه مع مرور الوقت وتقدم العلم سيكون هنالك المزيد من الأمراض الجراحية التي سيتم علاجها بالضوء السحري المعروف بالليزر، ودمتم بألف خير وعافية.