هذه حالة حقيقية لمريض في السبعينيات من العمر أتى إلى العيادة بصحبة أبنائه على كرسي متحرك ويشتكي من صعوبة في المشي وثقل في الرجلين واليدين منذ بضعة سنين ازداد خلال الأشهر السابقة ويصاحبه ألم في منطقة الرقبة وعدم القدرة على الوقوف لوحده وعدم القدرة على المشي وأصبح طريح الفراش وأسيراً للكرسي المتحرك وساءت حالته مؤخراً يحيث أصبح يحتاج مساعدة حتى في الذهاب إلى دورة المياه -أكرمكم الله-. وقد أظهرت أشعة الرنين المغناطيسي التي جلبها معه بأن المريض يعاني من اعتلال النخاع الشوكي في الفقرات العنقية منذ زمن طويل وهذا أدى إلى الأعراض التي يشعر بها. ولكن ما هو هذا المرض؟ وما مدى انتشاره؟ وما هي أعراضه؟ وكيف يتم التشخيص والعلاج؟ من الناحية التشريحية تقع السبع الفقرات العنيقة في أعلى الجسم وتصل قاع الجمجمة بأعلى منطقة الصدر. وهي ذات أهمية قصوى لأن هذه الفقرات العنقية مطلوب منها أكثر من وظيفة فهي مطلوب منها أن توفر دعما وثباتا وحملا لوزن رأس الإنسان الذي يقارب وزنه السبع كيلوغرامات. بالإضافة إلى ذلك فهي مطلوب منها توفير أكبر قدر من الحركة في العمود الفقري بحيث يستطيع الإنسان الطبيعي ثني الرقبة إلى الأمام وإلى الخلف والإلتفات للجانب الأيمن والأيسر بزاوية تقترب من 180درجة أو أكثر. هذا المجال الحركي هو أكثر مجال حركي في الفقرات في جسم الإنسان. بالإضافة إلى ذلك فإن هذه الفقرات العنقية توفر ملاذاً أمناً وممراً منيعاً للنخاع الشوكي الذي يمر من الدماغ في الجمجمة ثم ينزل عبر الفتحات الموجودة في الفقرات العنقية إلى الجزء السفلي من الجسم ليغذي الذراعين والرجلين وجميع أجزاء الجسم ووظائفه بالأعصاب المسؤولة عن نقل الحركة والأحساس والألم وغير ذلك من وظائف الجسم العصبية. ولهذه الأسباب فإن الفقرات العنقية مطلوب منها وظائف دقيقة وكثيرة ومجهدة ومهمة في نفس الوقت مما يجعلها عرضه لحدوث الإجهاد والتهابات العضلات وتمزق الأربطة والعضلات وأيضاً لحدوث مرض خشونة المفاصل وأمراض الانزلاق الغضروفي في الفقرات العنقية وأمراض الاحتكاك وضيق القناة الشوكية. والاستخدام الخاطئ للفقرات العنقية قد يؤدي إلى تسارع هذه الأمراض وتفاقمها وظهورها في مراحل مبكرة. وفي بعض هذه الأمراض يحدث أن يؤدي المرض إلى ضغط على النخاع الشوكي الذي يمر عبر هذه الفقرات ويؤدي مع مرور الزمن إلى حدوث اعتلال النخاع الشوكي الذي سوف نتحدث عنه. وفي بعض الحالات الأخرى قد يتعرض العنق والفقرات العنقية إلى إصابات مباشرة ومفاجأة مثل ما يحدث في حوادث المرور كفانا الله وإياكم شرها أو أثناء ممارسة الرياضات العنيفة مثل رياضة الغطس أو رياضة الهوكي أو عند السقوط من ارتفاع على العنق مما يؤدي إلى إصابة في العنق قد تمتد لتصل إلى النخاع الشوكي وتسبب اعتلال النخاع الشوكي. وبغض النظر عن السبب الذي أدى إلى الاعتلال فإن المحصلة في النهاية هي عبارة عن خلل في وظائف النخاع الشوكي الذي يمر في الفقرات العنقية والذي هو عبارة عن ممر للأعصاب إلى باقي أجزاء الجسم مما يؤدي إلى ظهور الأعراض المعروفة بمرض اعتلال النخاع الشوكي والتي سنذكرها لاحقاً. الفقرات السبع العنقية تقع في أعلى الجسم وتصل قاع الجمجمة بأعلى منطقة الصدر الأسباب الكامنة وراء مرض اعتلال النخاع الشوكي في الواقع أن الاعتلال في النخاع الشوكي قد يحدث نتيجة تضيق بطيء ومزمن في القناة الشوكية التي يمر من خلالها النخاع الشوكي في الفقرات العنقية. هذا التضيق يحدث نتيجة عوامل كثيرة منها الإجهاد المزمن وخشونة الفقرات العنقية والإنزلاق الغضروفي في الفقرات العنقية وبعض الأمراض الوراثية التي تسبب ضيقاً في القناة الشوكية أو في بعض الأمراض الروماتزمية التي تسبب تضيقاً في القناة الشوكية. هذا التضيق على مر الزمن يؤدي إلى اختناق في منطقة مرور النخاع الشوكي والضغط على النخاع الشوكي وبالتالي إلى أن تبدأ آثار هذا الضغط في التأثير على وظائف النخاع الشوكي. وفي بعض الحالات القليلة كما ذكرنا سابقاً قد يكون الاعتلال والمرض في النخاع الشوكي نتيجة إصابة مباشرة أو غير مباشرة تؤدي إلى التواء شديد في منطقة الفقرات العنقية وحدوث شد وحركة غير طبيعية للنخاع الشوكي مما يؤدي إلى ظهور الإصابة. أيضاً قد تؤدي هذه الإصابات المباشرة أو غير المباشرة إلى حدوث نزيف داخل القناة الشوكية التي يمر منها النخاع الشوكي مما يؤدي إلى حدوث ضغط على النخاع الشوكي وحدوث اعتلال فيه. وبغض النظر عن السبب فإن المحصلة هي تأثر الخلايا العصبية المكونة للنخاع الشوكي وتغيرا في فيزولوجيا عملها وفي طريقة عملها وخلل في إيصالها للمحفزات العصبية التي تمر منها مما يؤدي إلى ظهور الأعراض. والغالبية العظمى من المرضى الذين يعانون من هذه المشكلة هم من الفئة التي تكون نتيجة التطور المزمن والبطيء نتيجة تضيق القناة الشوكية. أشعة توضح اعتلال النخاع الشوكي الأعراض والتشخيص سواءً الحالة تطور بطيء أم أتت بسرعة فإن الأعراض في المحصلة النهائية تتكون من آلام في منطقة العنق تمتد للكتفين والذراعين وآلام في الساقين مع احتمال حدوث شعور بخدر وتنميل أو فقدان في الإحساس في اليدين وفي القدمين بالإضافة إلى ذلك فإن الغالبية العظمى من المرضى تشتكي من ثقل وصعوبة في حركة الذراعين والساقين وتشبه الأعراض بأن الشعور هو شعور حبال أو أربطة ملفوفة حول الذراعين والساقين. وهذه الحالة تتطور لتصبح صعوبة في المشي والقيام ويتغير قوام المريض عند المشي بحيث تصبح الخطوات متقاربة من بعض ويسحبها سحباً بما يعرف عليماً باسم (shuffling gate). أما عندما تتطور الحالة أكثر وأكثر فإن المريض أو المريضة يصبح عاجزاً عن المشي دون مساعدة وقد يصبح أسيراً للكرسي المتحرك ولا يستطيع الذهاب إلى الحمام من دون مساعدة. كما أن الشعور بالحرقان أو الخدور والثقل في اليدين والذراعين قد يصبح شديداً ومزعجاً حتى أثناء الليل ويمنع المريض من النوم بشكل طبيعي. وبالنسبة للفحص السريري فهو قد يبين وجود تحدد وآلاماً في الرقبة وضموراً في عضلات الرقبة والكتف والذراعين والساقين بالإضافة إلى وجود ضعف تتفاوت درجاته من شديد إلى متوسط في الذراعين والساقين وأيضاً وجود تغير في الإحساس بحيث تقل شدة الإحساس عن الوضع الطبيعي في اليدين والساقين. وأيضاً تكون هناك زيادة مفرطة في الانعكاسات العصبية عند فحص الكوع والرسغ والركبة والكاحل (reflexes). هذه الانعكاسات العصبية تكون شديدة ومتكررة ومفرطة فمثلاً عندما يقوم الطبيب بالطرق بمطرقة الفحص الطبي على وتر الركبة تنتفض الساق بشدة تفوق المعدل الطبيعي. ومع تقدم الحالة قد يبدأ المريض بالشعور بنفضة أو ارتجاف في الساقين عند القيام ببعض الحركات نتيجة زيادة هذه الانعكاسات العصبية. وبالنسبة للتشخيص فإنه يتم بعد الفحص السريري الذي يبين الأشياء التي ذكرناها سابقاً وبالإضافة يتم عمل أشعة سينية للرقبة تبين وجود إصابة أو خشونة شديدة أما أشعة الرنين المغناطيسي (mri) فهي أفضل طريقة لتشخيص هذه الحالة حيث أنها تبين بوضوح تام حالة الفقرات العنقية وحالة الغضاريف والمفاصل وإذا ما كانت هناك خشونة وتضيق في القناة الشوكية كما أنها تبين حالة النخاع الشوكي ومدى الضغط الحاصل عليه ومدى التأثر في الخلايا التي تكون النخاع الشوكي. ففي الحالات الشديدة والمزمنة تظهر التغيرات في النخاع الشوكي على شكل تغير في لون وإشارة الرنين المغناطيسي يكون واضحاً وتختلف شدته وانتشاره حسب شدة المرض وانتشار المرض. بالإضافة إلى ذلك قد يلجأ الطبيب إلى عمل تخطيط للأعصاب الطرفية في اليدين والذراعين.