لو كان الأمر لي لحولت الرئاسة العامة لرعاية الشباب إلى وزارة بإمكانيات بشرية مناسبة مع دعم مالي يؤهلها للاضطلاع بمسؤولياتها تجاه الشباب.. ولكن بعيداً عن التمني لنرى الواقع بما هو حاصل وممكن. قبل عدة سنوات تم سحب الجانب الثقافي من هذه المؤسسة فكان صمت القائمين عليها بالأمر يعتبر قبولاً.. وأصبحت من مهمة وزارة الثقافة والإعلام والآن هناك مؤشرات أيضاً على سحب المهمات الاجتماعية من هذه الرئاسة العامة لرعاية الشباب وترحيلها عملياً إلى وزارة الشؤون البلدية. مما يعني معه اقتصار دور الرئاسة العامة لرعاية الشباب على الجانب الرياضي.. مع ملاحظة أن هناك أيضاً تحفظاً عالياً على تلك المهمة لانخفاض النتائج الرياضية لمشاركات المنتخبات السعودية في المحافل الخارجية حيث باتت نتائج المنتخب السعودي سبباً في ابتعاد محبي الرياضة عن مباريات المنتخب السعودي، بل وتصل أحياناً للشماتة بتلك النتائج. انسلاخ الثقافة من رعاية الشباب ثم بوادر انسلاخ الجانب الاجتماعي يؤكدان حاجة رعاية الشباب لإعادة رؤيتها ورسالتها وأهدافها وسياساتها عموماً على أن تشمل الفتيات وليس فقط الشباب.. ولعل الرئاسة العامة لرعاية الشباب تضع خطة طويلة المدى لعشرين عاماً ثم تقوم بتنفيذها عبر خطط متوسطة المدى لخمس سنوات أو قصيرة المدى لسنة واحدة خاصة في ظل الظروف الحالية والتي تتطلب تضافر الجهود لإعادة شبابنا لجادة الصواب. ولعل مايثير العديد من التساؤل هو غياب هذه المؤسسة رغم أهميتها وتحمل مسؤوليتها في معالجة أعراض الانحراف الفكري لدى بعض شبابنا، بل لن أبالغ لو قلت إنها أقل المؤسسات تفاعلاً مع قضايا الإرهاب حيث كان حضورها ضعيفاً ولا يذكر.. بل إن بعض أنشطتها التوعوية للأسف كانت تحت مظلة من ينادون أبناءنا للجهاد هناك وهناك.. مما يعني معه أن القائمين على تلك البرامج يقومون بدورهم وفق نمطية لا تستوعب المتغيرات.. ولن نفترض فيهم سوء المقصد. تحديد مسؤولية رعاية الشباب بالرياضة فقط ربما يدفعها للارتقاء بمنتجها بشرط ألاّ تقتصر على الرياضيين فقط، بل تشمل في خدماتها جمبع شباب الوطن سواء في المدن أو القرى لعل تركيزها على الجانب الرياضي يتيح لها فرصة البروز والنجاح محلياً وإقليمياً وربما دولياً..؟ ولن يأتي ذلك إلا بوضوح الرؤية عند القائمين على هذه المؤسسة وتقنين تلك الرؤية عبر خطة عمل متقنة البرامج ومحددة وسائل التنفيذ والمستهدفين فيها. هذا لا يعني أن رعاية الشباب ليس لها إيحابيات، ولكن المتوقع منها أكثر فهي تمس أكبر قطاع في البلاد باعتبار أن الشباب في المملكة العربية السعودية يفوق 60٪ من نسبة السكان مما يعني معه أنها لابد أن تخدم كل هؤلاء الشباب وليس جزءاً صغيراً من نصفهم باعتبار أنها مازالت لا تقدم أي خدمة للفتيات.. ونحن لا نريد منها أن تفتح نوادي نسائية لكرة القدم أو الطائرة ولكن نتوقع منها أن تسد الفراغ المؤسسي لخدمة الصحة البدنية عند هؤلاء الفتيات خاصة مع غياب الرياضة في مدارس البنات.. وجود قسم نسائي في رعاية الشباب بات ضرورة ملحة يفرضها الواقع، أيضاً شمول كافة الشباب في خدماتها بات عمق مسؤوليتها، فاختطاف شبابنا من دعاة الفتنة ليس إلا بسبب غياب المؤسسات عن دورها في احتواء شبابنا ونقلهم من بيئة ثقافة العنف والإرهاب إلى بيئة إنسانية صحية.. بيئة تكرس فيهم حب الوطن وحب أبناء الوطن والإيمان أن الحياة بناء وعطاء وليست عداء وخصومة مع الآخر.