أحياناً يخيل لي أننا إرث مجاعات كبرى مرت علينا سنين عجاف كبرى وطويلة، بحيث صرنا نأكل لنخزن لمجاعة قادمة (لا كتبها الله). أرجع للكتب والسير فأجد فعلا مرت علينا عبر الزمن سنوات قحط هاجر أهل نجد طلبا للرزق، ومن ثم عودة الحياة، ففي هذه السنوات عرفت الهند والسند وحتى جزر الصين والفلبين التي كانت مسلمة وكانت مانيلا تدعى (أمان الله). ولكن عندما أفكر بالمجاعات العالمية وحتى العربية فيما حولنا ستكون حكاية مجاعتنا القديمة حكاية بسيطة عندها، كنت أحكي لصديقتي من الموصل العراقية وهم مشهورون بالاقتصاد، وتنظيم ما لديهم والاكتفاء بالقليل دون الكثير، ولعلي منها تعلمت تنظيم ميزانيتي الصغيرة أثناء الجامعة، قالت إننا مررنا بحروب وغزوات ورغم أننا بل رغم كوننا في مدينة اسمها (ذات الربيعين ) كان ربيعانا يحرقان غالبا .. فيحل الجوع، الذي علمنا احفظ ما لديك اليوم، ربما غداً لن تملكه . لو ننظر لبعضنا البعض لنرى كم بدونا متخمين، يحمل الواحد كرشه وينوء به. ربما يعطي تصورا للعالم اننا مصابون بالتخمة، كما ولو وقف أحدنا سيدة أم رجلا عند باب النوادي لرأى الكم ممن يراجعون، وكأننا شعب كسول فينقطعون ويستسلمون لقوافل الشحوم تنهك أجسادهم، وأطباق ما لذ وطاب من طعام وشراب. ولو جلسنا على ناصية عامة وراقبنا بعض المارة لرأينا ضعاف الأجساد ممن اتخذوا من أرجلهم مركبة، ولفكرنا ان هناك مجاعة وسببها المتخمون. عندما يسافر بعض السعوديين بأسرهم للخارج فما تراهم الا من مطعم لمطعم وكأنهم مأمورون بسفح الصحون، وقليلا ما تجد من يتفرج على متحف أو يحضر مسرحية بها فكرة أو ندوة تفتح ذهنه. للأسف لكي يشعروا بطعم الأكل حلواً في أفواههم، يرسلون الصور عبر وسائل الاتصال الحديثة وكأنها حاملة الأطباق. قبل ان تمتد الأيادي للأطباق لابد من سماع صوت او صوتين (اصبروا نصور). ماذا جرى في أنفسنا من جشع للطعام تطور عند البعض لجشع عام؟! ولأن رمضان على الأبواب وصلني عبر الواتس أب مجموعة لا تقل عن عشرين طبقا لأجل رمضان، اللقيمات خمس مرات والجبنية مرتين ناهيك عن المقلوبات والمطازيز وحتى الشوربات. وكأننا نصوم دهرا لنأكل شهرا، وكأن الله وهبنا أفواها فقط للأكل، وعقولا تفكر بالأكل قبل أن تفكر كيف أتى. لنأخذ أيضا الأدهى كل محل تجاري كتب لدينا مستلزمات رمضان وكأن البيوت قفر، حتى الفرش والأواني بل حتى أطباء الأسنان يصلحون لأجل رمضان. لا يكفي كل هذه المظاهرات في الأكل ولا المحلات التجارية ولا المطاعم تشارك الكل جوقة التلفزيونية النشاط بعرض مفاتن خاصة لرمضان. استغفر الله سرقوا منا رمضاننا روحانيته وجمال وعطر أنفاسه. نعم كنا نفطر فطورا جيدا في رمضان ونطعم بعضنا من مكونات سفرتنا وتعود لنا الأطباق محملة، لكن ذلك لا يعني اننا نصوم لنأكل ولكن نصوم لنرى جمال الروح خالية من رغبة الطعام، ونفرح بطعم اللقمة في دقيقة واحدة ومع (الله أكبر) تسقط التمرة في الأفواه بلحظة واحدة بالمدينة الواحدة. في هبوب المغريبة هب معها روح ملائكية طاهرة، عذبة. ذاك رمضاننا رمضان القيام والتراويح، رمضان التسامح والحب هو رمضاننا الذي وهبه تميزا عن الشهور. وأنزل فيه كتابه العظيم.. عفوا لو أغلقنا جميعنا التلفاز وقت التراويح فيكون وقتا ميتا لأصحاب المحطات سيفكرون ألف مرة قبل وضع برامج جاذبة في هذا الوقت ويقل سوق الإعلان وبالتالي يؤجلون ما لديهم لما بعد التراويح.. وأخيرا (بحسب ابن آدم لقيمات يقمن صلبه) و(المعدة بيت الداء والحمية خير دواء). وصلى الله عليك وسلم يا خير خلق الله.