لا شك أن طلبة الطب الحاليين - أثناء دراستهم -يستفيدون من التقنية ووسائل التعليم المساعدة والحديثة التي تطورت بشكل مذهل.. بحيث أصبحت دراسة الطب أسهل وأمتع مما مضى.. ففي زماننا وقبل ثلاثة عقود أو تزيد.. كانت دراسة الطب ليس فيها متعة وتحتاج إلى مجهود أكبر من المذاكرة والحفظ والتكرار.. مع قلة في الوسائل المساعدة والتوضيحية.. فوسيلتنا التعليمية الوحيدة آنذاك هي الإنسان نفسه ميتا أو حيًا يرزق.. لكنه مريض.. نطبق ما نتعلم في قاعة المحاضرات والمشرحة والمعمل فيه أو عليه.. وبالمناسبة هناك اتفاق - غير مكتوب - بين المستشفيات الجامعية والمرضى.. فللحصول على العلاج المجاني.. يجب على المريض أن يدع ويسمح لطلبة الطب بالكشف على جسمه وعلته المرضية.. بل والاستذكار عليه.. وقد يستدعيه الدكتور أثناء الاختبارات ليختبر الطلبة عليه.. وبالأخص إن كانت حالته - انترستنقْ- كما يقال.. وأذكر انه عندما تكون حالة المريض نادرة.. ويتم إدخالها وتنويمها في المستشفى.. نقوم نحن الطلبة - بمسك سرا- للكشف عليه وفحصه.. ويشهد على ذلك مستشفيات ميو هسبتال واليو سي إتش والليدي ويلينقتن في لاهور.. في نهاية السبعينيات وبداية الثمانينيات الميلادية من القرن الماضي.. ومن الذاكرة.. كان أساتذتنا يركزون على وجوب تعلمنا الطريقة الصحيحة لفحص المرضى «كلينيكل ميثود» فالاختبارات (خاصة العملية) لايجتازها الطالب إلا إذا كان ملما بمبادئ وأولويات فحص المريض.. ولكل طبيب بعد تخرجة مهارات معينة ينميها مع الوقت.. وقد قيل: لكل شيخ طريقته.. وأذكر أستاذا كبيرا.. في الأنف والأذن والحنجرة.. كان له مسكة مختلفة لآلة فحص الأنف الصغيرة «نازال سبيكيولا» تختلف عما هو مرسوم ومكتوب في المقرر الدراسي.. ووجوب مسكها بطريقة معينة لتمكين الطبيب من كشف وفحص داخل الأنف بوضوح.. قال لي مرة عندما رآني أُحاول تقليده في مسكته الغريبة.. إن رأيتك في الامتحان تفعل مع المرضى كما أفعل الآن.. لن تنجح حتى في الدور الثاني.. فيجب أن تتعلم وتفعل في هذه المرحلة كما في طريقة الكتاب المقرر.. وعندما تنجح وتتخرج بإمكانك أن تحمل جهاز فحص الأنف الصغير بأي طريقة شئت.. تمكنك من فحص الأنف جيدا.. وقبل بضع سنين كنت مع زميل متخصص في عمل المناظير لمرضاه.. نتحدث عن الكبسولة السحرية التي بدأ استعمالها على نطاق واسع في العالم.. فهذه الكبسولة أغنت عن المنظار المزعج للمريض.. وفي أقل من ساعة تكون الكبسولة قد أدت عمل المنظار بإرسال الصور المطلوبة للمعدة أو الأمعاء.. لجهاز الكمبيوتر الصغير المرتبط بها.. ثم تتكسر ويهضمها الجهاز الهضمي وتخرج مع الفضلات.. ويعلم الله ماذا سيحمل إلينا العلم في المستقبل من اكتشافات.. فقد يأتي يوم يُستعمل فيه الطبيب أيضا لمرة واحدة فقط «ديسبوسبل» كما قال لي زميلي.. مازحا أو جاداً منذ سنة أو تزيد.. وإلى سوانح قادمة بإذن الله. * مستشار سابق للطب الوقائي في الخدمات الطبية.. وزارة الداخلية.