راود حلمُ التمكّن من رؤية الأمعاء الدقيقة في جسم الإنسان الحي ودراستها، الباحثين في مجال الطب ردحاً مديداً، قبل أن يتحوّل إلى حقيقة ملموسة شكلت ثورة علمية في مجالها. والمعلوم أن طول تلك الأمعاء يبلغ قرابة ستة أمتار، وهي تتولى وظائف متنوّعة، لعل أبرزها امتصاص العناصر الغذائية وفق منظومة معقّدة. وأخيراً تحقّق الحلم من خلال جهاز تصوير دقيق جداً كان يستخدم في التجسّس، وانتقل إلى مجال التشخيص الطبي، بمحض الصدفة. وأطلق عليه اسم «المنظار الكبسولة»، إذ يبلغ طوله 26 ملليمتراً، وعرضه 11 ملليمتراً. وفي لقاء مع «الحياة»، أوضح أستاذ الجهاز الهضمي والكبد في كلية الطب في جامعة القاهرة الدكتور شريف مجاور أن الجهاز في حجم كبسولة الدواء، ومجهز بتكنولوجيا عالية الدقة تمكنه من إجراء فحص دقيق للأمعاء في ظروف طبيعية، إذ إن الكبسولة تسير مدفوعة بالحركة الداخلية للأحشاء. ويستطيع «المنظار الكبسولة» أن يلتقط نحو 50 ألف صورة أثناء رحلته داخل الجسم التي تستغرق قرابة 8 ساعات. وأضاف الدكتور مجاور أن الحاجة إلى الكبسولة تزداد يوماً بعد يوم لنجاحها في تشخيص أمراض كثيرة كان يصعب تشخيصها، حتى مع استخدام المناظير وصور الأشعة الملوّنة. وبيّن أن الكبسولة أفادت في تشخيص كثير من أسباب نزيف الجهاز الهضمي الناشئ، خصوصاً عندما يحدث بأثر من أمراض في منطقة الأمعاء الدقيقة مثل تمدد الشعيرات الدموية وانفجارها، وأورام الأمعاء الدقيقة الحميدة والخبيثة، ودوالي الأمعاء الدقيقة، والتهاب الأمعاء المزمن وغيرها. وأوضح أن هذه الأمراض أصبحت قاب قوسين أو أدنى من البروز مباشرة الى أعين الأطباء، ما يسهل تشخيصها الذي يعتبر أمراً فائق الأهمية في علاج المرضى. وأشار الى ميزة أخرى في الكبسولة- المنظار تتمثّل في قدرتها على تشخيص «الزوائد» التي تبقى بعد علاج بعض الأمراض والتي قد تصبح مصدراً للأورام الخبيثة، خصوصاً عندما تحدث «طفرات» سرطانية في تركيب جيناتها. وشدّد مجاور على أن التشخيص المبكر يقي من مضاعفات من الأفضل تجنبها، ومحاولة علاجها في الوقت المناسب. وأوضح أن صغر حجم الكبسولة وسهولة عملية الفحص فيها وشمولها الأمعاء الدقيقة بالكامل، يعطيها أفضلية بالمقارنة مع المناظير الطبية التي غالباً ما تنجح في فحص جزء من دون الآخر. وتحدث مجاور عن أسلوب الفحص باستعمال الكبسولة- المنظار، مشيراً الى تميّزه بالبساطة الشديدة، إذ يكفي أن يبلع المريض الكبسولة بعد صيام ساعات عدة. وتحتوي الكبسولة الصغيرة على بطارية وكاميرا ومصدر ضوئي ومصدر لموجات الراديو. وتبدأ الرحلة من الفم إلى نهاية الجهاز الهضمي. وتلتقط الكبسولة الصور بمعدل صورتين في الثانية. وتبثّ الصور إلى جهاز تسجيل مثبّت على بطن المريض. وفي مرحلة تالية، يأتي دور الطبيب المتخصّص الذي «يستخرج» الكبسولة. ثم يفرّغ محتوياتها. ثم يسجّلها على الكومبيوتر. ويتولى برنامج إلكتروني متخصّص دراسة نحو 50 ألف صورة تمثّل مجموع ما التقطته الكبسولة في بضع ساعات. وأوضح مجاور أخيراً أن «مكتب الغذاء والدواء» الأميركي أدخل تعديلات على الكبسولة، فأصبحت مزودة بكاميرتين، ما يسهل فحص المريء بدقة فائقة.