خلال أقل من ثلاثة أسابيع يتوجه الأوكرانيون إلى مراكز الاقتراع للإدلاء بأصواتهم في الانتخابات الرئاسية التي ستتحدد بموجبها الاتجاهات المستقبلية لدولتهم. ووفقا لمنظمات الاقتراع المعروفة فان أكثر من 80 % من الأوكرانيين سيتوجهون للإدلاء بأصواتهم في 25 مايو الجاري. تجرى الاستعدادات للانتخابات على قدم وساق على الرغم من محاولات زعزعة الاستقرار، والتعطيل والتخويف، إلا أنها تمضي قدما على الرغم من محاولات تقويض سيادة وسلامة الأراضي الأوكرانية، وفي ظل هذه الظروف فان إتمام مثل هذا الاقتراع أصبح أمرا أكثر أهمية. تبذل المملكة المتحدة قصارى جهدها لتقديم الدعم لأوكرانيا للمضي قدما على طريق الازدهار والمسؤولية وبناء مستقبل ديمقراطي ولكن اختيار هوية من يقود أوكرانيا للمستقبل هو حق أصيل من حقوق الشعب الأوكراني حيث يجب أن يتمتعوا بالحرية الكاملة دون أدنى مخاوف من زعزعة الاستقرار أو التخويف. إن دعم أوكرانيا التي تتمتع بالاستقرار والديمقراطية يسانده بكل وضوح كل من الاتحاد الأوروبي، الولاياتالمتحدةالأمريكية، ومجموعة الدول الصناعية السبع، فضلا عن حلفاء الناتو وهنا تجدر الإشارة إلى أن المجتمع الدولي لا يستخف بالتحديات التي تواجه أوكرانيا أو المساعدات التي تحتاجها في هذا الصدد. خلال ابريل الماضي أصدر صندوق النقد الدولي الموافقة على منح قرض لمساعدة أوكرانيا في مواجهة احتياجاتها المالية الفورية وإطلاق برنامجها للإصلاحات الملحة، لقد كلفت المملكة المتحدة فريق خبراء من ضباط اسكوتلانديارد لتعقب المبالغ المالية الهائلة التي تم نهبها من قبل الرئيس السابق يانوكوفيتش ورفقائه، حيث نرغب في عودة هذه الأموال لأصحابها الشرعيين، ألا وهم الشعب الأوكراني حيث يتطلب هذا الأمر الكثير من الوقت والجهد، علما انه خلال الأسبوع الماضي في لندن قمنا بتوجيه دفعة إضافية لهذه العملية عبر المنتدى الأوكراني لاستعادة الأموال المنهوبة. إن الأسابيع الثلاثة القادمة تعد الأكثر تحديا لا سيما مع استمرار المواجهات في سلافيانسك، أوديسا والمناطق الأخرى في أوكرانيا. لقد تم خطف واحتجاز العشرات من الناس بصورة غير قانونية واختفى النشطاء السياسيون، فضلا عن احتجاز الصحفيين كرهائن وتوجيه الإنذارات لهم. وإنني أشيد بقدرة السلطات الأوكرانية على ضبط النفس وهو الأمر الذي ظهر جليا في مواجهة الاستفزازات الشديدة، كما أدرك جيدا التحديات الواضحة أمام الرد الحازم على الفوضى المسلحة والعنيفة مع اخذ الحيطة والحذر في التعامل مع المدنيين الأبرياء. في أعقاب الاتفاق الذي تم التوصل إليه الشهر الماضي في جنيف، تعهدت حكومة أوكرانيا بالتزامات صارمة لحماية حقوق الأقليات وعرضت العفو عن المتورطين في أحداث شرق أوكرانيا وإعطاء وضع خاص للغة الروسية وبدأت النقاش حول الإصلاح الدستوري واللامركزية. إن الحوار الشامل مع كافة مكونات المجتمع هو عنصر أساسي في أي أزمة من هذا القبيل، وهذا من واقع ما تعلمته المملكة المتحدة من تجربتها في تحقيق السلام في أيرلندا الشمالية. يتطلع العالم إلى روسيا لكي تحذو حذو أوكرانيا في اتخاذ الخطوات التي ترقى إلى مستوى التزاماتها في جنيف. يتعين على روسيا سحب قواتها وضمان قيام عملائها في شرق أوكرانيا بالافراج عن الرهائن وإلقاء أسلحتهم، ووقف الاستفزازات، ومغادرة المباني التي يشغلونها، والسماح للعملية الديمقراطية والمشروعة بأن تأخذ مجراها. كما يجب أن تتراجع عن الضم غير الشرعي لجزيرة شبه القرم حيث إن الغالبية العظمى من شعب أوكرانيا ترغب في البقاء في أوكرانيا المستقلة. لا يريد المجتمع الدولي أن يرى موسكو معزولة مرة أخرى بعد أكثر من عشرين عاما من إعادة بناء العلاقات التي يمكن أن تحدث فرقا حقيقيا بالنسبة لبعض أكثر المشاكل صعوبة في العالم. ولكن لا يمكننا أن نقف متفرجين ونتجاهل محاولات تقطيع أوصال الأراضي الخاضعة لسيادة أوكرانيا وضم شبه جزيرة القرم بصورة غير شرعية. على موسكو أن تفكر مليا بهجرة رؤوس الأموال من أراضيها والانخفاض الحاد في سوق أسهمها وارتفاع التضخم وانخفاض درجة التصنيف الائتماني لها. وينبغي ألا يساورها أدنى شك بأن المجتمع الدولي على استعداد لاتخاذ المزيد من الإجراءات بهذا الصدد. يقع الجزء الأكبر من مسؤولية التهدئة في هذه الأزمة على عاتق موسكو، أما مسؤولية اختيار مستقبل أوكرانيا فيقع على عاتق الأوكرانيين فقط. وهذا لا ينبغي أن يكون بقوة السلاح، بل بالتحسن التدريجي في مستويات المعيشة التي سوف تأتي من كونها دولة حديثة وديمقراطية. ينبغي ألا يفرض على أوكرانيا الاختيار بشأن مع من تتعامل لأنه من مصلحة الجميع في المنطقة أن تتعامل أوكرانيا تجارياً مع جميع جيرانها بوصفها دولة مزدهرة ومستقرة قوام سكانها 46 مليون نسمة. إن الانتخابات الأوكرانية تمثل فرصة لبداية جديدة بالنسبة لأوكرانيا والمجتمع الدولي يقف معها في الوقت الذي تستعد فيه لتقرير مستقبلها. *السفير البريطاني لدى المملكة