كان البيت الشعري وما يزال محط اهتمام الشعراء والنقاد والمتلقين أيضاً، لاسيما تلك الأبيات التي تجمع بين قدرتها على الاتصال والانسجام مع سائر أبيات القصيدة، وقدرتها على الانفصال والحياة في معزل عنها، وقد أدرك الشعراء منذ مئات السنين أن بيتاً واحداً يُجبر الناس على حفظه وتناقله فيما بينهم يُغني عن كثير من القصائد، وقد أجاب أحد الشعراء العرب عند سؤاله عن سبب عدم إطالته لقصائده كما يفعل كثير من الشعراء: "لم أجد المثل النادر إلا بيتًا واحدًا، ولم أجد الشعر السائر إلا بيتًا واحدًا". اتجاه الشعراء في هذه المرحلة لكتابة البيت والبيتين ونشرها من خلال حساباتهم في (تويتر)، الذي فرض العودة القوية للاهتمام بالبيت الشعري، أو اتجاههم للمشاركة في مسابقات استثمرت بذكاء الاتجاه السائد لكتابة الأبيات المفردة كمسابقة(البيت)، كل هذه الأمور أمور إيجابية ساعدت إلى حدٍ كبير في التخلص من ظواهر مُضادة برزت في مراحل زمنية سابقة وساهمت إسهامًا واضحًا في ترهل القصائد وإهدار قدرات الشعراء في التنافس على نظم قصائد طويلة ومملة وتمطيطها، على أساس أن طول القصيدة معيار من معايير المفاضلة بين الشعراء..! لكن الملاحظ هو أن الأبيات الشعرية المفردة في الشعر الشعبي لم تلق اهتمامًا مناسبًا من ناحية التوثيق خلافًا للشعر الفصيح حيث نجد في المكتبة الأدبية مؤلفاتٍ كثيرة تُعنى بجمع الأبيات الشاردة والسائرة ودراستها ونقدها، من أبرز تلك المؤلفات على سبيل المثال لا الحصر: (قصيدة البيت الواحد) لخليفة التليسي و(ديوان البيت الواحد في الشعر العربي) لأدونيس و(البيت المتفرّد في النقد العربي القديم) لعلي الحارثي و(بيت) لغازي القصيبي. وغياب جانب التوثيق للأبيات المفردة في الشعر الشعبي أدى لكثير من النزاعات –التي ما زال بعضها قائمًا- بين الشعراء والاختلاف في نسبة كثير منها بين المتلقين، مع العلم أن البيت المفرد حين يُجهل قائله يصبح كاللّقيط كما يصفه الشيخ علي الطنطاوي -رحمه الله- في كتابه الصغير والجميل (من شوارد الشواهد)، لذا نتمنى أن يزداد الاهتمام بتوثيق الأبيات المفردة من قبل المؤلفين وأصحاب المختارات الشعرية بشكل يتناسب مع زيادة الاهتمام بكتابتها في هذه المرحلة. قبل الختام أتقدم بالعزاء في وفاة الشاعر الكبير عبدالله بن شايق الذي انتقل إلى رحمة الله يوم السبت الماضي، وأسأل الله العلي القدير أن يغفر له ولجميع المسلمين.