ما هي أقوى أنواع البكتيريا؟ باغتنا الأستاذ الياباني بهذا السؤال عام 1998م.. وبعد عدد من المحاولات اليائسة من الطلبة للإجابة أوضح أستاذنا بأن أقوى أنواع البكتيريا هي تلك القادرة على التعايش والتكيف مع أي تغيير حاصل في البيئة المحيطة وبذلك تستطيع البقاء لأطول فترة ممكنة. ورغم وجاهة هذه الإجابة فيمكن القول بان الإجابة الصحيحة تغيرت في زمننا هذا وما ينطبق على البكتيريا ينطبق على المؤسسات والدول. فالسؤال هنا إذن كيف يمكن للمؤسسة أو الدولة أن تحافظ على مكانتها وتزيد من قوتها التنافسية في عالم متغير ومتقلب؟ من عالم الأحياء فالسياسة استأذنكم بالهبوط الاضطراري، ولفترة وجيزة، في عالم الإدارة حيث نستشهد بمقولة السيد (كوموري شيجيتاكا) رئيس شركة فوجي فيلم في محاضرته بمؤتمر المديرين العالميين بطوكيو في أكتوبر 2013م بأن هنالك ثلاثة مستويات للتعامل مع التغيرات المحيطة للمؤسسات، وبطبيعة الحال للدول، وهي: المستوى الجيد: القدرة على التكيف والتعامل مع التغيرات بعد حدوثها. المستوى الأفضل: القدرة على التنبؤ بالتغيرات المستقبلية والاستعداد لها. المستوى الأعلى: هو القدرة على قيادة التغيير وصياغته. وبلغة أبسط فالأجدر بالقادة وصانعي القرار الانتقال من مرحلة ردة الفعل (Reaction) إلى المبادرة باتخاذ الأفعال (Proactivity). ولعل من الأمثلة الواضحة في هذا المبدأ على مستوى المؤسسات تجربة شركة جوجل في مجال المعلومات والبحث، وشركة آبل في مجال الهواتف الذكية. وفي الأسطر التالية نستعرض تطبيق هذا المبدأ في عالم السياسة والتنمية. ونتجه إلى بكين حيث وضع قادة الحزب الشيوعي الصيني رؤية استراتيجية في نهاية القرن العشرين بأن الصين في العام 2000م ستكون قد قطعت نصف الطريق للوصول إلى الهدف النهائي عام 2050م لكي تصبح الصين في مصاف الدول الصناعية ذات الاقتصاديات المتقدمة. ومن نافلة القول أن أي دولة أو أمة ترغب في أن تكون لها القدرة على صياغة مستقبلها وصناعة مصيرها تحتاج أن تمتلك قدرة تقنية ذاتية في مختلف المجالات كي لا تظل تحت رحمة القوى العظمى الأخرى. ولذلك نجد أن الأكاديمية الصينية للعلوم أصدرت في العام 2011م مجموعة من خرائط طريق تكنولوجية للصين إلى العام 2050م في عدة مجالات لتحدد المسار الذي يجب أن تسير فيه الصين لتصل إلى الهدف المنشود. والمؤشرات والأرقام تشير إلى الصين ماضية قدماً ومن المنتظر أن تنتزع الصدارة الاقتصادية من أمريكا لتكون الاقتصاد الأول في العالم ما بين عام 2020 وعام 2032م . وفي الوقت الحالي نحتاج كأمة عربية وإسلامية إلى قرارات مفصلية من دولة بوزن المملكة تقود فيه بقية الدول لنتمكن بعون الله من صناعة مصيرنا في هذا العالم بأمواجه العاتية وتحالفاته المتقلبة دون أن ننتظر الدول العظمى وغيرها لتتحكم بمصائر الدول والشعوب. نعم فقد انتهى زمن الاكتفاء بأن نكون مجرد لاعبين في الميدان ولا بد من الانتقال لمرحلة نضع نحن فيها قوانين اللعبة أو نساهم في تحديدها. وشتان بين من يبادر ويقود وبين من يرتضي أن يكون مجرد بيدق على رقعة الشطرنج.. وأخيراً،، نحن لا نستطيع فرض التغيير على الماضي والآخرين، ولكن يمكننا تغيير أنفسنا والمستقبل. وكما قال الرئيس الأمريكي باراك أوباما في 2012م ساعة إعادة انتخابه: " نحن الأمة الأمريكية لا نكترث بما يفعله الآخرون لأجلنا بل بما نفعله نحن بأنفسنا". وأقول أما نحن فأمة تأخذ بالأسباب وتتوكل وشعارها إن الله لا يغير مابقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم، وإن تستفتحوا فقد جاءكم الفتح !!