تشيع عن الأمريكيين تناول اللحم، الشرائح ال (إسيك) في الفطور، وسألتُ عن رواج تلك العادة الغذائية فقيل لي إنها موروثة من زمن رعاة البقر، فهم يأكلون اللحم ضمن قائمة الفطور، ولا حاجة إلى القول إن الغداء والعشاء يحتوي على كمّ كبير من لحوم البقر. وأعطونا ثقافة المفروم الهامبرغر والذي لا نعرف على وجه التحديد ماذا يحوي ويبدو أن الأمريكيين بدأوا يحسون بتخبطهم الغذائي فنشأت جمعيات النباتيين وكبرت قاعدتها وأصبحت ذات خدمات استشارية وطبية وحتى قانونية والإنسان لا يأكل اللحم فحسب، بل نرى الإنسان العربي جعله غرضاً شعرياً، أو غَزَلا يستعذبه السامع ويستحلي ذكره والإشارة إليه والتوق والتشوق إلى مرآه: فظلّ العذارى يرتمين بلحمها وشحم كهّداب الدّمقس المفتّلِ وَبَلغَنا من أدبياتنا أن الشّحم لا يقل عن اللحم من ناحية حبنا له وهيامنا به. فكما هام به امرؤ القيس واتّقدت به عاطفة الحُطيئة وهو يصف صيداً ثميناً: فخرّت نحوصٌ ذات جحشٍ فتّية قد اكتنزت لحماً وقد طبّقت شَحما فيا سعده إذ جرّها نحو أهلهِ ويا سعدهم لمّا رأوا كلمها يَدْما يحاصرنا الآن وهمُ الكوليسترول، ورُعب القلاعية، وخطر إنفلونزا الدجاج وخشية المتصدع وذعر أيبولا. مع كل هذا نستورد الماشية من إفريقيا وندفع مصاريف نقلها ثم نذبحها ونُعيد تصديرها.. على كل حال، الحمد لله الذي جعلنا لا نتراشق باللحم كما كانت تفعل عذارى امرئ القيس. فشهية ضيفات امرئ القيس وكذا الأمريكان في فطورهم بينهما تقارب واضح. قلنا -ربما- أن داء الكوليسترول لم يكن معروفاً في الجاهلية، لكنه الآن على رؤس الأشهاد، فكيف لم يحس به الأمريكيون، أم أنهم يحرصون على إعطائنا نتائج أبحاث لا يُطبقونها. إلى عهد قريب عبارة "تدسيم الشوارب" عندنا تنطبق على الشبعة من وفرة الدهون.