منذ سقوط الملكية في أفغانستان عام 1973م، مزقت البلاد حروبٌ لا هوادة فيها، بدءاً من انقلاب محمد داود خان على ابن عمه الملك محمد ظاهر شاه، واعلان أفغانستان دولة شيوعية، ثم الغزو السوفيتي، ثم الحرب الأهلية بين الفصائل الأفغانية، إلى الغزو الأميركي، حولت تلك السلسلة من الحروب البلاد إلى دولة فاشلة، وعلى الرغم من ذلك كله لم تقسم أفغانستان إلى دويلات أو جمهوريات أو ممالك، بالرغم من التقاطعات الاثنية الموجودة في البلاد، وتوغل البعد القبلي في المجتمع، إضافة إلى البعد العرقي الذي يمتد ليربط الأفغان بدول مجاورة فالبشتون على سبيل المثال قبائل فارسية (إيران)، وعدد من المجموعات الأخرى التي وبفضل المساحة الجغرافية الكبيرة لأفغانستان ومجاورتها لدول كبرى مؤثرة في العالم القديم، جعل منها بوتقة انصهرت فيها أعراق وإثنيات متنوعة، وهو أمر جد خطير إذا ما قمنا بقياسه في إطار كونه عامل اضطراب للدولة من عدمه، يضاف إلى ذلك المساحة الجغرافية الشاسعة التي تبقي المناطق معزولة عن بعضها بفعل التضاريس الصعبة. ومع هذا كله ما زالت أفغانستان دولة موحدة مترابطة ولم تتقسم. إن المطمع الجيواستراتيجي للدول الكبرى هو السبب الرئيسي في عدم العمل على تقسيم أفغانستان، إذ أن من شأن تفكيكها إلى دويلات صغيرة أن يفقدها الأهمية الحيوية للولايات المتحدة كبلد حدودي يشكل رأس حربة تجاه دولتين هما الأكثر ازعاجاً لأميركا، وهي الصينوروسيا، إذ تدرك واشنطن حساسية موسكو من المجموعات الجهادية السنية، لذا ترى في أفغانستان محضناً خصباً لتلك المجموعات التي يمكن استخدامها لتذكية النزعات القومية في روسيا أو الصين التي تحاول إبقاء عينيها مفتوحتين تجاه النزاع الاثني في إقليم شينجيانغ. لكن لماذا يبدو مشروع التقسيم واضحاً عند كل نزاع في الشرق الأوسط؟ إذ لا تزال مراكز البحث الغربية، تمطرنا بمشروعات التقسيم، التي تلعب على مكونين رئيسين تزخر بها المنطقة وهما الدين والعرق. رأينا دولا عصفت بها الحروب الأهلية ولم يؤثر ذلك في وحدوية ترابها روسيا واسبانيا وفنلندا ودول أخرى، عانت حروباً أهلية قصيرة، كما في الحالة الفنلندية أو طويلة كما في روسيا وامتدت أربع سنوات، شرق أوسطياً يبدو الحديث حول الوضع السوري مثالا على ما تروج له دوائر صناعة القرار في بعض الدول فسورية التي تشهد نزاعاً دموياً منذ ثلاث سنوات، خرجت بعض المعاهد الفكرية بخرائط لتقسيم سورية على أساس عرقي طائفي، وبالرغم من غياب المكون القبلي الذي يختلف عن ذلك الموجود في المشهد الأفغاني، إلا أنه حتى تلك الدول التي يغلب على مواطنيها اعتقادهم بمذهب واحد كالمملكة، ووجود مكون اجتماعي واضح، لم تسلم هي الأخرى من تلك اللوثات، التي يطرحها بعض الباحثين الغربيين، الجادين فيما يطرحون، لأن تقسيم وتفتيت دول الشرق الأوسط يعني فقدانه الثقل الديني والاقتصادي المؤثر في البعد الجيوسياسي للمنطقة، لماذا لا نسمع أن دولاً أفريقية أنهكتها الحروب الشنيعة تعرضت للتقسيم، عدا السودان؟