عام 2011، بدأ النزاع في سورية على شكل تظاهرات سلمية من أجل كرامة الإنسان والإصلاح السياسي. واستخلص نظام الأسد عبره من تونس ومصر واختار اللجوء إلى ما سمّاه ب «الحلّ الأمني»، أي قمع كلّ تظاهرة بالقوة العسكرية. وأدّى ذلك بدوره إلى حصول انشقاقات في صفوف القوات المسلحة وإلى عسكرة الانتفاضة. ومنذ منتصف العام 2011، تحوّل النزاع إلى حرب أهلية وإلى صراع دامٍ من أجل السلطة في سورية، سرعان ما تطوّر إلى صراع إقليمي من أجل سورية. إلى ذلك، ازداد الاستقطاب المذهبي، غير أنّ النزاع في سورية ليس عبارة عن حرب طائفية وله أبعاد دولية قوية، لكن الولايات المتحدّة والاتحاد الأوروبي وحتى روسيا تعتبره مشكلة إقليمية لا ترغب في الانجرار إليها. تسعى القوى الإقليمية وراء مصالحها الجيوسياسية في سورية، إلا أنّ النزاع ليس حرباً بالوكالة. فلا يحارب بشّار الأسد من أجل إيران بل من أجل سلطته الخاصة. كما أنّ معظم الموالين للنظام لا يحاربون من أجل الأسد بل يشعرون بأنّهم مجبرون على الدفاع عن النظام الموجود خوفاً على بقائهم. وتسعى المعارضة الموجّهة نحو الدولة أو المعارضة «الوطنية» إلى الحصول على دعم أوروبا والولايات المتحدّة وتركيا والمملكة العربية السعودية ودول أخرى. فهي لا تحارب من أجل مصالحها بل من أجل سورية أفضل. أما الجماعات الجهادية أمثال تنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام» (داعش) فيتّبعون أجندتهم العدمية الخاصة التي لا علاقة لها بمستقبل سورية. في الواقع، لا يقوم النظام بمحاربتهم بل يستفيد من وجودهم بقدر ما يضعفون المعارضة وينشرون الذعر في صفوف الأكثرية الساحقة من السوريين. وكلما طالت مدّة الحرب، يرجّح انقسام سورية. من الناحية الجيوسياسية، من شأن انقسام سورية أن يحلّ النظام الذي ولد عقب الحقبة العثمانية (اتفاقية سايكس بيكو) في الشرق العربي. بدأت الحدود بين سورية من جهة والعراق ولبنان من جهة أخرى تتلاشى. ومن الناحية الجغرافية-الثقافية، قد يؤدي انقسام سورية إلى القضاء على فكرة الدول المتعدّدة المذاهب والمتعدّدة الإثنيات في المنطقة. ويمكن أن تكون حينها الكيانات السياسية الجديدة أحادية الثقافة، وفي أحسن الأحوال قد تبدي نوعاً من «التسامح» تجاه الأقليات. من الواضح اليوم أنّه لا يمكن الحفاظ على النظام الإقليمي إلا في حال انتهاء الحرب في سورية. كما من الواضح أنّ أياً من الفرقاء المتحاربين لن يكون قادراً على تحقيق انتصار عسكري والحفاظ على الدولة السورية في شكلها الجغرافي الحالي. لا يسيطر اللاعبون الخارجيون على القتال بل ثمة حاجة إلى إدراك دولي لإنهائه. على الأقل، يجدر بالولايات المتحدّة وروسيا والمملكة العربية السعودية وإيران الاتفاق على استبعاد الانتصار العسكري من الجانبين وعدم مساعدة حلفائهم لبلوغ ذلك. يمكن إجراء وساطة خارجية لإطلاق محادثات السلام وتقديم الدعم لها، لكن ينبغي على السوريين الاتفاق على مستقبل بلدهم. يجب الإبقاء على عملية جنيف التي جرت بوساطة الأمم المتحدّة. وبما أنها تركّز على العلاقة بين الحكومة والمعارضة، تبدو فرص حصول خرق لجدار الأزمة ضئيلة. يجب بالتالي إكمال «جنيف-2» ب «طائف سوري» وهو اجتماع استشاري خارج البلد يجمع المواطنين المعنيين من كل المناطق السورية والمجموعات الإثنية والمذهبية من أجل معرفة ما إذا كان السوريون لا يزالون يريدون العيش مع بعضهم ضمن دولة واحدة وعلى أيّ أساس. سيستمر الأسد في رفض حصول انتقال حقيقي، إلا أنّ عدداً كبيراً من العلويين والأكثرية في المناطق التي يسيطر عليها النظام سيفضّلون تقاسم السلطة على استمرار الحرب. سيرفض جزء من المعارضة تقاسم السلطة مع ممثلي النظام، إلا أنّ معظم سكان الأراضي التي تسيطر عليها المعارضة يفضّلون تقاسم السلطة على استمرار الحرب. لن يساهم جمع الممثلين عن المجتمع الذين يحظون بصدقية في إنهاء المواجهة العسكرية على الفور، لكنّه قد يساهم في تبلور أساس للعقد الاجتماعي الجديد وبالتالي سيغيّر الديناميات السياسية للنزاع. * المدير التنفيذي للمعهد الألماني للشؤون الدولية والأمنية في برلين. مؤلف كتاب «الاقتصاد السياسي في سورية»