كان يفترض أن يكرس إحياء الذكرى العشرين لمذابح رواندا التي أتت على قرابة ثماني مئة ألف شخص تقريبا في العلاقات الفرنسية الرواندية. ولكن التظاهرة شهدت تصعيداً لفظياً ودبلوماسياً بين البلدين استمر حتى امس الاثنين الذي أشرف خلاله الرئيس الرواندي بول كاغاميه في كيغالي عاصمة بلاده على مراسم الاحتفاء بهذه الذكرى بمشاركة بان كي مون أمين عام الأممالمتحدة وثمانية رؤساء أفارقة. فقد حمل الرئيس الرواندي بشكل غير مباشر على فرنسا عندما قال "ليس هناك أي بلد قوي قادر على تغيير الوقائع حتى وإن كان يعتقد أنه قادر على ذلك" في إشارة إلى التهم التي ظل الرئيس الرواندي يوجهها إلى فرنسا ويقول بموجبها إنها "أعدت سياسيا لهذه المذابح " و" شاركت في تنفيذها". وهذا ما أكده الرئيس الرواندي مثلا في حديث خص به مجلة "جون أفريك" الفرنسية المتخصصة في الشؤون الإفريقية عشية البدء في إحياء الذكرى العشرين لاقتراف هذه المجازر التي طالت إثنية التوتسي وقامت بها عناضر متطرفة من إثنية الهوتو التي كان بيدها الحكم آنذاك. وقد ردت السلطات الفرنسية على هذه التصريحات بقرار إلغاء مشاركتها الرسمية في إحياء الذكرى أمس في العاصمة الرواندية عبر شخصية كريستيان توبيرا وزيرة العدل الفرنسية. وطلبت من السفير الفرنسي في كيغالي تمثيل الطرف الفرنسي في التظاهرة. ولكن السلطات الرواندية منعت السفير الفرنسي من المشاركة فيها. وسعت رئاسة الجمهورية الفرنسية بعد ظهر أمس الاثنين إلى الرد مجددا على التهم الموجهة لفرنسا بشأن المذابح التي اقترفت في رواندا من أبريل إلى يوليو عام 1994 فقالت في بيان نشرته على موقعها الإلكتروني إنه من واجب الأسرة الدولية العمل على بذل كل الجهود حتى لا تتكرر مثل هذه المذابح مؤكدة في الوقت ذاته أن فرنسا تسعى منذ حصول هذه المذابح إلى بلورة سياسة وقائية في عملها الخارجي للحيلولة فعلا دون تجدد مآس مماثلة. وقد ختمت رئاسة الجمهورية الفرنسية البيان بالتأكيد على أنها تشارك " الشعب الرواندي " في إحياء هذه الذكرى الأليمية. ويرى بعض المراقبن أن هذه الصيغة التي أنهي بها البيان ليس من شأنها مساعدة رواندا وفرنسا على التصالح. بل هناك من يعتقد اليوم أن التصعيد بين البلدين على هذا النحو من شأنه تقويض كل الجهود التي بذلت خلال السنوات الماضية لمحاولة إعادة الدفء إلى العلاقات الفرنسية الرواندية أو على الأقل تهدئتها. ويضيف عدد من المحللين السياسيين أن العلاقات بين البلدين ستظل مسمومة طالما لم تتخذ فرنسا قراراً سياسياً شجاعاً يتثمل في فتح أرشيف العملية العسكرية التي قامت بها في رواندا من الثالث والعشرين من شهر يونيو إلى 22 أغسطس عام 1994. فالرواية الرسمية الفرنسية تقول إن هذه العملية كان يراد حماية المدنيين الروانديين من المذابح التي يتعرضون لها. ولكن شهادات ووثائق كثيرة بما فيها وثائق عسكرية فرنسية تذهب إلى تعزيز الطرح الذي يقول إن الغرض الأساسي من هذه العملية هو الحيلولة في ذلك الوقت دون وصول المتمردين التوتسي إلى السلطة والذين كان يقودهم في ذلك الوقت الرئيس الرواندي الحالي بول كاغاميه.