تحوَّلت بعض المدارس في الآونة الأخيرة إلى مراكز تجارية لبيع الحقائب المقلدة و"الإكسسورات" والملابس على المعلمات، بل إنَّ الأمر تطوَّر إلى إحضار بعض المعلمات للمياه الغازية و"الشوكولاتة" و"الهامبورغر" والبطاطس المقلية وشطائر "البيتزا" وسندوتشات "المشكل" المطبوخة منزلياً والتي لايُعلم متى وأين تم طبخها وتجهيزها، ومن ثمَّ بيعها على الطالبات بأسعار مرتفعة، مما يؤثر بشكل سلبي في كثير من الأحيان على ميزانية بعض الأسر، والمشكلة أنَّ من يزاول مهنة البيع في هذه الحالة هنَّ عدد من المعلمات اللاتي فضلن الجمع بين مهنتي التجارة والتربية والتعليم!. أضرار صحية وبرَّرت "غادة محمد" -طالبة بالمرحلة الثانوية- إحضارها وجبة إفطارها من المنزل بشكل يومي، إلى أنَّ معظم الوجبات المعروضة في "المقصف" المدرسي لها أضرار صحية، إلى جانب أنَّها غالية الثمن، وكذلك عدم قدرتها على الشراء؛ لأنَّ ظروف أسرتها المادية لاتسمح بمنحها مبلغ (10) ريالات بشكل يومي. بضائع متنوعة وقالت "أسماء" -معلمة في المرحلة الثانوية-:"لا أجد مشكلة في البيع داخل المدرسة، طالما أنَّنا نؤدي عملنا التربوي على أكمل وجه"، مضيفةً أنَّها تُحضر معها مجموعة من البضائع المتنوعة في نهاية الأسبوع لتبيعها على زميلاتها المعلمات بأسعار مناسبة، ومن ذلك بعض الحقائب و"الإكسسوارات" وأدوات التجميل والساعات. رقابة صارمة وأشارت "فوزية عبدالله" –معلمة في المرحلة المتوسطة- إلى أنَّها اتفقت مع إدارة مدرستها على توفير وجبات غذائية يتم إعدادها في المنزل، لتبيعها على الطالبات أثناء زمن الفسحة وفي نهاية اليوم الدراسي، ومن ذلك أنواع من البطاطس و"الشوكولاتة" والمشروبات الغازية. ووصفت "أم محمد" ما يحدث في بعض المدارس في هذا الشأن بالمهزلة، داعيةً إلى إيجاد رقابه صارمة لمنع هذه الممارسات، مشيرةً إلى أنَّها صُدمت حينما ذهبت للسؤال عن ابنتها في المدرسة التي تدرس بها ووجدت أنَّ بعض المعلمات منشغلات بإقناع زميلاتهن بتخفيض أسعار بعض البضائع المُعدَّة للبيع، لافتةً إلى أنَّها شعرت عند ذلك أنَّها ليست في معقل تربوي، بل وسط أحد "المولات". وجبات سريعة وأكدت "مريم بازعزوع" -أخصائية تغذية- على أنَّ ازدياد معدلات السمنة والبدانة في مجتمعاتنا الخليجية، خاصةً بين أوساط طلاب وطالبات المدارس تعود إلى اتباعهم سلوكاً غذائياً خاطئاً، إلى جانب انتهاجهم نمطاً حياتياً خاملاً ناشئاً عن توفر سبل الراحة، وكذلك انتشار الوجبات السريعة والأغذية ذات السعرات الحرارية العالية والفقيرة في محتواها من العناصر الغذائية الضرورية لجسم الإنسان. وأضافت أنَّ ذلك كله أدّى إلى انتشار الأمراض المرتبطة بالسمنة، مثل أمراض السكري وضغط الدم وأمراض القلب وتصلب الشرايين، موضحةً أنَّ ذلك يتطلب من المتخصصين في التغذية ضرورة نشر التوعية والثقافة الغذائية الصحية وأهمية تناول الوجبات الغذائية الصحية لجميع أفراد المجتمع، بما فيهم طلاب وطالبات المدارس، مشددة على أهمية التقيّد بجميع الوجبات الغذائية الرئيسة، ومنها وجبة الإفطار. وجبة الإفطار وبيّنت "مريم بازعزوع" أنَّ العديد من أولياء أمور الطلاب والطالبات يغفلون عن أن يتناول أبناؤهم وجبة الإفطار، مشيرةً إلى أهميتها في الحفاظ على حيوية ونشاط الجسم، لافتةً إلى أنَّ ذلك مما قد يؤدي إلى ضعف التركيز لديهم، وبالتالي انخفاض تحصيلهم العلمي في المدرسة، موضحةً أنَّه -على سبيل المثال-، فإنَّ تناول التمر واللبن في وجبة الإفطار يُزود الجسم بالبروتينات والطاقة اللازمة وبعض العناصر الغذائية المهمة مثل "الكالسيوم". ولفتت إلى أهمية دور أخصائية التغذية وضرورة وجودها في المدارس لتزويد الطالبات بالمعلومات الغذائية الصحيحة، وبأهمية التغذية السليمة؛ لتنعكس إيجابياً على صحتهن وسلامتهن، ولوضع المقترحات التي تساعد على تعزيز السلوك الغذائي الصحيح، ومنها تحديد وقت مخصص لتناول وجبة خفيفة أثناء الدوام الصباحي للمدرسة، مثل الفواكه والخضار والحليب والعصير، إلى جانب مساعدة الطالبات اللاتي لديهن مشكلات تتعلق بالتغذية، مثل السمنة والسكري وفقر الدم وغيرها من الأمراض. وأوضحت أنَّ من بين الأدوار التي من الممكن أن تساهم بها اخصائية التغذية في المدارس، توعية الطالبات اللاتي لديهن مشكلات تتعلق بالتغذية بأهمية تناولهن الوجبات التي تتناسب مع وضعهن الصحي؛ لتجنب المضاعفات المرتبطة بهذه الأمراض، إلى جانب نشر الوعي الغذائي والصحي عن طريق تنظيم الندوات والمحاضرات وورش العمل داخل المدارس، وكذلك عمل بعض المسابقات عن أهمية التغذية الصحية في المدارس، إضافةً إلى الإشراف على وضع المقاصف المدرسية. وأشارت إلى أنَّ من أدوار أخصائية التغذية في المدارس أيضاً، التركيز على وجود المأكولات الصحية وتجنب وجود المواد الغذائية والمأكولات الفقيرة في محتواها من العناصر الغذائية المهمة، مثل رقائق البطاطس والفطائر المُصنعة التي تحتوي على مواد حافظة ودهون ضارة بالجسم، مؤكدة على أنَّه لوحظ أنَّ هناك وجبات غير مطابقة لمعايير جودة وسلامة الغذاء يتم بيعها في المدارس. وأكدت على أنَّه من الممكن أن تعمل أخصائية التغذية مع إدارات المدارس نحو إيجاد آلية منظمة لتوفير وجبات غذائية صحية ملائمة تُقدَّم للطالبات بأسعار رمزية؛ حتى لا تلجأ الطالبة إلى تناول الأغذية غير الصحية بسبب قلة أسعارها وتوفرها بكل سهولة، مشددة على ضرورة أن تحتوي الوجبات الغذائية الرمزية على الأصناف الغذائية المحببة للأطفال، خاصةً العناصر الغذائية الرئيسة التي يحتاجها الجسم، على أن تُقدَّم بأشكال تجذب الطالبة لتناولها. أهداف ربحيَّة وقالت "هيا المزيد" -رئيسة قسم الخدمة الاجتماعية الإكلينيكية بمستشفى الملك خالد الجامعي-:"تتعدد وظائف المدرسة كإحدى أهم المؤسسات الاجتماعية التي تؤدي مهمة التربية والتعليم"، مضيفةً أنَّ أسر الطلاب والطالبات يعتمدون عند إرسال أبنائهم للتعليم في المدارس على الثقة المتوقعة التي تمنحها هذه الأسر للمعلمين والمعلمات، مشيرةً إلى أنَّهم مربو الأجيال، وبالتالي فإنَّ دورهم المتوقع هو قيادة التعليم والتربية في المسار الذي حددته "وزارة التربية والتعليم". وتساءلت عن الشيء الذي من الممكن أن يحدث إذا تخلل تلك المهام التعليمية أهداف ربحية من الطلاب والطالبات، موضحةً أنَّ هذه الأهداف الربحية تنتج عن تولي إحدى المعلمات في المدرسة مهمة إحضار الوجبات وبيعها على الطالبات والإفادة الربحية من بيع تلك المنتجات عليهن، مبينةً أنَّ هذا بالطبع يُعد خللاً في جانبين، هما الإدارة التي تسمح بمثل هذه السلوكيات في المؤسسة التعليمية، إلى جانب الخلل الناتج من قبل "وزارة التربية والتعليم" التي من المفترض أن يكون لها دور أكبر في تحديد الأغذية التي ترد للمقاصف المدرسية. الوجبات تغري الأطفال وتنتهي إلى «ارهاق مادي» للآباء بزيادة «مصروف الفسحة» جهة إشرافية وأوضحت "هيا المزيد" أنَّ "وزارة التربية والتعليم" تُعدّ جهة إشرافية من المفترض أن تتولى مسؤولية صحة التغذية للطلاب والطالبات في المدارس الحكومية والخاصة على حدٍ سواء، مشيرةً إلى أنَّ هناك تصوراً يتبادر للذهن عندما تشيع سلوكيات البيع والتجارة في المدارس بين أوساط المعلمات اللواتي ينشغلن عن دورهن الأساسي في التعليم إلى أدوار أخرى كالبيع والمرابحة بينهن البين، مؤكدةً على أنَّ ذلك يعني وجود خلل واسع في الصورة المرسومة للدور المتوقع للمعلمة عن الدور الفعلي الذي تشوبه هذه السلوكيات. وأضافت أنَّ الواقع الفعلي لانتشار السلوكيات التجارية داخل المدارس من قبل بعض المعلمات سيكون بادرة لتشتيت الدور التعليمي الأساسي للعملية التعليمية، كما أنَّه سيُشوه صورة المعلمة التي تمثل دور القدوة للطالبة، إذ إنَّها ستعلم حينها أنَّ معلمتها السامية تاجرة تبيع منتجاتها الغذائية على الطالبات أو على زميلاتها في غرفة المعلمات، مشيرةً إلى أنَّ هذه الصورة المُشوهة تعكس أمرين هما عدم الاكتفاء الذاتي للمعلمة أو ضعف الدخل الذي تحاول سدَّه بهذه الممارسات التجارية التي تكون في غير محلها. وبيَّنت أنَّ ذلك يشير أيضاً إلى قصور في الدور التعليمي لتلك المعلمة وانشغالها عن التعليم، الأمر الذي يجعلها مثاراً لسخرية طالباتها، موضحةً أنَّ الربح الذي تحققه المعلمة سينعكس سلباً على دخل الأسرة التي تربي عدداً من الأبناء وتكون مسؤولة عن توفير المصروف اليومي الذي قد لا يتناسب مع الأسعار التجارية للمعلمة التي تبيع بضاعتها، لافتةً إلى أنَّ عدم الالتزام بالدور التعليمي واحترامه في المؤسسة التعليمية سيُشكل عبئاً على الأُسر، ويُشوّه الدور التعليمي للمعلمة التي تتاجر في دورها الأولي، بل وتُعرِّض صورتها المثالية أمام طالباتها للتغير والقصور. وأشارت إلى أنَّه للحد من هذه السلوكيات، فإنَّه لابد أن تعمل "وزارة التربية والتعليم" بصفتها الجهة الرسمية المسؤولة عن الأمن الغذائي للطلاب والطالبات على إيجاد إدارة متخصصة للإشراف على اختيار المنتجات الغذائية التي ترد للمدارس، على أن تتولى عملية إبرام العقود العامة لتوريد السلع الغذائية وتحديد أسعارها؛ حتى لا تشكل عبئاً مادياً على أسر الطلاب والطالبات، وليكون هناك جهة تُحاسب في حال حدوث خلل في هذا الأمن الغذائي للطلاب والطالبات. الأهم توفير الغذاء الصحي للطلاب والطالبات «أرشيف الرياض» معلمات نجحن في تسويق بضائعهن المقلدة داخل المدارس وجود أخصائية تغذية في المدارس يعزز من تسويق الغذاء الصحي