يتوجه الاتراك غدا الى صناديق الاقتراع للادلاء بأصواتهم في انتخابات بلدية تجري في ظل توتر شديد واتخذت منحى استفتاء على رئيس الوزراء رجب طيب اردوغان الذي يواجه وضعا صعبا نتيجة احتجاجات في الشارع وفضيحة سياسية مالية غير مسبوقة. وبعد عشرة اشهر على الانتفاضة ضد الحكومة التي هزت نظامه من اساسه يخوض اردوغان الحاكم منذ 2002 وحزب العدالة والتنمية الذي يترأسه، هذا الاختبار الانتخابي في وضع صعب. فرئيس الغالبية الاسلامية المحافظة يواجه منذ 17 كانون الاول/ديسمبر اتهامات خطيرة بالفساد تطاوله بشكل مباشر مع نشر مكالمات هاتفية له على الانترنت اثارت انتقادات شديدة له في تركيا والخارج. ورد رئيس الوزراء بالتنديد طوال الحملة الانتخابية الضارية ب"مؤامرة" تستهدفه ويقف خلفها بنظره حلفاؤه السابقون من جماعة الداعية الاسلامي فتح الله غولن، داعيا انصاره الى تلقينهم "درسا جيدا" في 30 اذار/مارس. وقال الباحث سينان اولغن من مركز ايدام للابحاث في اسطنبول "استراتيجيته بسيطة، وهي غسل اتهامات الفساد في صناديق الاقتراع". غير ان خطاباته الشديدة اللهجة ضد من يعتبرهم "ارهابيين" و"خونة" فضلا عن حملات التطهير التي اجراها في صفوف الشرطة والقضاء وقوانينه التي اعتبرت "معادية للحريات" وحجب موقع تويتر مؤخرا ثم موقع يوتيوب، كل ذلك دفع النقاش السياسي في تركيا الى التشدد. وفي 12 اذار/مارس اغتنم مئات الاف الاتراك مناسبة جنازة فتى توفي متأثرا بجروح اصيب بها خلال تظاهرات حزيران/يونيو 2013، للمطالبة باستقالة رئيس الوزراء "القاتل". كذلك عمدت المعارضة المصممة على اغتنام الظروف الحالية، الى اعطاء "منحى وطني" للانتخابات البلدية في 30 اذار/مارس وهي تامل في "تصويت" بحجب الثقة عن اردوغان الذي باتت تصفه علنا ب"سارق" و"دكتاتور". وتتوقع جميع معاهد استطلاعات الرأي التركية تراجع موقع حزب العدالة والتنمية الذي حصل على ما يقل بقليل عن 50% من الاصوات في الانتخابات التشريعية عام 2011، ولكن بدون الوصول الى سقوطه. وتتوقع جميع التحقيقات التي نشرت في الاسابيع الاخيرة حصول حزب اردوغان على 35 الى 45% من الاصوات على المستوى الوطني. فرغم الفضائح والخلافات، يبقى اردوغان السياسي الاكثر شعبية في البلاد بفارق كبير عن سواه. وحزبه الذي فاز بكل الانتخابات منذ 2002 سيتصدر هذه المرة ايضا نتائج التصويت الاحد بحسب التوقعات، متقدما على حزب الشعب الجمهوري (اجتماعي ديموقراطي) وحزب الحركة الوطنية. وقال برنت ساسلي الخبير السياسي في جامعة تكساس الاميركية ان "اردوغان رجل سياسي ماهر ولا يزال يمارس ضغطا شديدا على كل المؤسسات التركية" مضيفا "من الصعب تقدير حجم التراجع الذي سيسجله لكن الفرص ضئيلة بان يؤدي الى ضرب شعبيته". واعلن مسؤولو الحزب الحاكم منذ الان ان اي نتيجة تفوق نسبة 38,8% التي حصلوا عليها في الانتخابات البلدية عام 2009 ستكون بمثابة انتصار. واكد اردوغان علنا انه سينسحب من الحياة السياسية اذا لم يخرج حزب العدالة والتنمية مساء الاحد متصدرا نتائج الانتخابات، ما يعكس ثقة كاملة بنفسه. وبالرغم من هذه الثقة، فان حزب رئيس الوزراء يلقى معارضة قوية في اكبر مدينتين تركيتين ستكون لنتائجهما قيمة رمزية وستكشف عن التوجه العام لهذا الاقتراع. ففي حال انتقال العاصمة انقرة او اسطنبول من حيث انطلقت مسيرة اردوغان السياسية كرئيس لبلديتها الى المعارضة، وهو ما يعتبر ممكنا، فان ذلك سيكون بمثابة فشل شخصي سينعكس حتما على مستقبله. وقال الخبير السياسي جنكيز اكتر من جامعة سابنجي في اسطنبول ان "نتائج مساء الاحد سيكون لها دور كبير في تحديد استراتيجيته للاشهر المقبلة". ففي حال حقق حزب اردوغان فوزا كبيرا الاحد فان ذلك قد يشجع رئيس الوزراء على الترشح للانتخابات الرئاسية في 10 اب/اغسطس والتي ستجري لاول مرة بالاقتراع المباشر العام. اما اذا لم يتحقق هذا السيناريو، فقد يعمد كما المح اليه الى تعديل نظام حزب العدالة والتنمية الذي يحظر عليه البقاء لاكثر من ثلاث ولايات، تقديم موعد الانتخابات التشريعية المقررة في 2015 والترشح لولاية جديدة على رأس الحكومة. غير ان البعض يعتقدون ان الازمة الحالية اضرت بشكل نهائي بصورة اردوغان وقال احمد انسيل الاستاذ في جامعة غلطه سراي في اسطنبول ان رئيس الوزراء "اصبح المصدر الرئيسي لانعدام الاستقرار في هذا البلد" مؤكدا انه "ايا كانت نتيجة الانتخابات البلدية، فان شرعيته ستبقى مطعونا بها".