طلب من مواطني شبه جزيرة القرم يوم الأحد المنصرم القيام باختيار مستحيل: ألا وهو التصويت على الانضمام أو الاستقلال - ولكن من دون أي ضمانات بأن الاستقلال سوف يجلب احترام روسيا لسيادة القرم المستقلة أو سلامة أراضي أوكرانيا المستقلة. إن المفارقات في هذا الاستفتاء ظهرت جلية حين جاءت الغالبية العظمى من الأصوات لصالح الانضمام، رغم أن الأمر كان بمثابة القرعة، كأن تقذف قطعة من عملة معدنية نحو الأعلى، حيث جاء التصويت بنعم على الرغم من الخسائر المترتبة على ذلك بالنسبة لشبه جزيرة القرم. لذلك لم يكن للنتيجة وقع المفاجأة، وقد أيد البعض هذا الأمر على انه نصر للديمقراطية وانه قد بدا للوهلة الأولى كإقرار صريح باستقلال القرم، ولكن جوهر الأمر ليس كذلك. في الحقيقة لقد تم إقرار القيام بهذا الاستفتاء خلال عشرة أيام دون القيام بحملات أو مناقشات عامة حول هذا الشأن، ومن دون السماح لقادة أوكرانيا من زيارة القرم وفي ظل خرق جائر للدستور الأوكراني. والأمر الأكثر أهمية، هو إجراء هذا الاستفتاء في ظل وجود قوة أجنبية تضم آلاف الجنود على ارض القرم، مما يدعو للسخرية من الممارسات الديمقراطية الحقيقية. إن بنود الدستور الأوكراني واضحة في هذا الشأن - حيث يجب إجراء أي استفتاء بناء على طلب ثلاثة ملايين مواطن على أن يشمل كافة أرجاء أوكرانيا. إن المملكة المتحدة لم ولن تعترف بمثل هذا الاستفتاء الذي تم إجراؤه وفقا لشرعية زائفة وفي ظل وجود قوات مسلحة أجنبية. ولعلكم تتساءلون ما الذي يهم عامة الناس في المملكة المتحدة أو الشرق الأوسط من هذا الأمر؟ سعت أوروبا منذ أكثر من عقدين من الزمن لوضع حد للتوترات والصراعات الناشئة عن الحرب الباردة، في محاولة منها لتجنب تكرار مآسي الصراعات المريرة السابقة وحل النزاعات سلميا. وبهدف توحيد القارة الأوروبية ومنع النزاعات التي تؤدي لإشعال الحروب، تم تأسيس المنظمات الدولية مثل منظمة الأممالمتحدة، ومنظمة الأمن والتعاون في أوروبا ومجلس أوروبا، والتي تتمتع كل من روسياوأوكرانيا بعضوية كاملة فيها. ومن خلال موقفها من القضية السورية والآن في شبه جزيرة القرم، تبدو روسيا غير راغبة – لأسباب غير معلومة – في الاعتراف بأهمية الدور الذي يتعين على المجتمع الدولي القيام به من أجل الحفاظ على السلام والنظام والاستقرار. وعلى الرغم من التزامنا بعدم التغاضي عن آثار القرارات السياسية على حياة الأفراد الأكثر تضررا من الأزمات مثل ما هو الحال في سورية، فان الأمل الوحيد الحقيقي لتحقيق السلام الدائم هو من خلال الحوار والحلول السياسية المتفق عليها. سوف تواصل المملكة المتحدة حث الرئيس بوتين على استخدام الصلاحيات المخولة له لإنهاء هذه الأزمة بما يحقق الخير والمصلحة لكل من القرم وأوكرانيا وأوروبا وروسيا، حيث ان قيام الرئيس بوتين بتوقيع الاتفاق على ضم القرم يعد رسالة صادمة، ويكشف لأوروبا والعالم عن حقيقة الأطماع الروسية. إن الوقت ليس متأخرا بالنسبة إلى الحكومة الروسية للمشاركة جديا في الجهود الدبلوماسية المبذولة لإيجاد حل سلمي لهذه الأزمة. ولكن يتعين على الحكومة الروسية التحرك سريعا في هذا الاتجاه. * السفير البريطاني