إن الرعاية الصحية الاولية هي مفتاح تحقيق الصحة للجميع، وهو مبدأ صدر عن المؤتمر الدولي للرعاية الصحية الاولية في عام 1978م، ويسمى اعلان (ألما آتا). فالصحة تعني العافية الجسدية والعقلية والاجتماعية وليست مجرد الخلو من الأمراض، وهي حق أصلي للإنسان يجب أن ترعاه القطاعات الاجتماعية والاقتصادية بالاشتراك مع القطاع الصحي. وليس من المقبول سياسياً واجتماعياً واقتصادياً اختلال ميزان العدالة الصحية بين الناس، وبالأخص بين الدول المتطورة والنامية، وكما أن التنمية الاقتصادية والاجتماعية مهمة لتحقيق الصحة للجميع، فتعزيز الصحة ضروري أيضاً لصيانة التنمية الاقتصادية والاجتماعية، ويملك الناس حق المشاركة الفردية والجماعية في تخطيط وتنفيذ برامج الرعاية الصحية، وتقع على الحكومات مسؤولية رعاية صحة شعوبها عبر إجراءات صحية واجتماعية كافية لتحقيق هذا الهدف. ففي عام 1977م قررت منظمة الصحة العالمية أنه يجب تحقيق الصحة للجميع بحلول عام 2000م. وفي عام 1981م تم تحديد أهداف مرحلية: 1- توفير التغذية الجيدة للجميع بحلول 1986م. 2- توفير مياة الشرب النقية ولإصحاح البيئة بحلول 1990م. 3- تحصين كل الأطفال ضد الأمراض الشائعة بحلول 1990م. ويضاف إليها ما يستجد بعد ذلك. وتم تحديد ثمانية عناصر كأهداف الرعاية الصحية الاولية وهي: التوعية والتثقيف الصحي، الإصحاح البيئي وتوفير مياة الشرب، توفير التغذية الجيدة، خدمات أمومة وطفولة متكاملة، تحصين الأطفال ضد الأمراض الشائعة، مكافحة الأمراض المتوطنة، علاج الأمراض الشائعة، توفير العقاقير (الأدوية) الأساسية. ويجب ان تقدم تلك العناصر طبقا للأسس التالية: عدالة التوزيع والتقنية المناسبة والتنسيق مع الجهات ذات العلاقة بالرعاية من الجهاز الصحي وخارجه ومشاركة المجتمع. ومع تناقص الموارد الصحية بسبب ما عصف في العالم من احداث طالت كل شئ بما فيها الصحة، وخاصة بعد ظهور وباء الأيدز والعدوى بفيروسه، وعودة انتشار السل من جرّائه، وزيادة حالات الملاريا من الأمور التي أبعدت تركيز الصحة العمومية الدولية عن البرامج العريضة القاعدية أو الأساسية ووجّهته نحو تدبير حالات الطوارئ التي تحصد الكثير من الأرواح. وظهرت في العام 1994م إحدى الدراسات التي أجرتها منظمة الصحة العالمية بغرض استعراض التغيّرات العالمية التي طرأت على مجال التنمية الصحية منذ إعلان (ألما-آتا) إلى استنتاج مثبّط للعزائم يفيد بعدم إمكانية بلوغ المرمى المتمثّل في توفير الصحة للجميع بحلول عام 2000م، ولا تعتبر المملكة العربية السعودية خارج المنظومة العالمية في التأثر بالنظام الاقتصادي العالمي، وخاصة انها شاركت في عدد من الحروب اثرت على منظومتها الاقتصادية، رغم قوتها الاقتصادية العالمية كمورد رئيس للبترول لسنوات. استطاعت المملكة مواكبة تطبيق برامج الصحة العالمية ومنها مكافحة شلل الاطفال الذي انتهي نهائيا - بحمد الله وشكره - من جو المملكة منذ العام 1995م. لذا فنقص الخدمات في القطاع الصحي بالمملكة برمته كانت اسبابه تأثر المملكة بالأحوال الاقتصادية العالمية، على الرغم من أن الميزانيات الصحية للمملكة تتزايد سنة عن التي تعقبها، وبالرغم من دعم المملكة لميزانيتها الاخيرة للعام الحالي 1435م بأكثر من 53 ملياراً إلا انه ما زال نقص الأدوية وقلة الأسرة مستمرين. والسبب انه هناك زيادة في الميزانية وعلى نفس المقياس تزايد مطرد في عدد السكان سنويا، وأيضا تزايد الرقعة السكنية التي كانت تمشي بتوازي مع بعضها. ومع ذلك نرى أن من حق المواطن في أن ينتقد عدم توفر الخدمات الصحية بالشكل المطلوب، ومنها عدم توفر الغرف والأسرة بالمستشفيات لأنه حق من حقوقه الاساسية التي ضمنتها له مواطنته، توفير الخدمة الصحية له ولإفراد اسرته. ونرى الحل الاساسي لتلك المعضلة يكمن في اكمال الدراسة في عمل برنامج تأمين صحي يجنبها صرف بلايين الريالات في انشاء المستشفيات وتأمين اجهزتها الحديثة ونراها لن تصل لرضا كامل للمواطنين، كما فعلتها لغير السعوديين عندما اجبرت القطاع الخاص على تحمل مسؤولية عمالته والتأمين عليهم صحيا فوفرت على الدولة عدة مليارات من الريالات عندما كان غير السعوديين يزاحمون السعوديين في العلاج في المستشفيات والمستوصفات الحكومية. وأحد الحلول المقترحة أيضا لذلك النقص في الخدمات الصحية المقدمة للمواطنين هو توسع الوزارة في شراء الخدمات الصحية والعلاجية للمواطنين من القطاع الخاص، وتسهيل إجراءات ذلك لحين الانتهاء من المشروعات التوسعية في المرافق التي دائما ما تتحدث عنها الوزارة وتخفق في انهاء مشاريعها في الاوقات المحددة، لعدم كفاءة المؤسسات الوطنية التي تسند لها تلك المشاريع ولعدم الجدية في ايقاع العقوبات في حدها الاقصى المطلوبة عندما تتأخر المؤسسات في انهاء المشاريع في موعدها الاقصى، وبالتالي تدخل الوزارة في المساءلات من المواطنين عن سبب الخلل في عدم انجاز المشاريع، هل هو بسبب اهمال الوزارة في الملاحقة القانونية لتلك المؤسسات المخفقة في اداء واجباتها؟ ام تفشي الفساد يؤدي الى الاهمال واللامبالاة؟